الأحد، 15 أبريل 2018

مفارقات


مفارقات 
المقاربة والتحقيق ، الإجمال والتخصيص.





جيل محظوظ ومنحوس ، كل جيل يرى في حياته القصيرة نسبياً علامات وخطوب يرى معها أنه محظوظ أو منحوس بمعايشتها ، حياة لها ما لها وعليها ما عليها.

أنا من جيل الثمانينات ، كنت محظوظاً بأني لعبت في الشارع مع أقران السوء ، ووقعت في الترعة ، والتحقت بالكُتّاب (كُتّاب الشيخ عبد الودود) ، في عهدي الأول كنت طفلاً يرتاد المساجد ، فكنت أحفظ ما تيسر لي من القرآن ، وتعتاد مسامعي على باقي آياته ، (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ..).

في أول أيامي في المرحلة الابتدائية كنت أعاني بشدة بسبب الإنفصال عن أمي لأذهب إلى جحيم يُطلقون عليه المدرسة ، ندخل الفصل المكدس ولا تزال عيني تبحث عن أمي لا يشغلني عن ذلك أي نشاط ، حتى أن (الأبلة) – وهو المسمى الذي كنا نطلقه على (المُعلِمة) – حين عَرفَتنا بنفسها (فاطمة) نَطقَتهُ (فَطْمَة) فحسبتها تقول (فضة) وحين ذهبت للبيت وسألتني أمي عن أسم مُعلمتي ، قلت لها بحكم الشتات اسمها (أبله دهب) ، اللفظ العربي واضح جداً ومُحَقَق ، بينما لغُتنُا مليئة بالمقاربات ، وبديهي جداً أن يتحول لفظ (أبلة) المفخمة إلى (أبلة) المرققة للدلالة على (الراقصة) ، وكذلك (المُعلمة) إلى (المْعلِمة) للدلالة على (الراقصة) أيضاً ، ولذلك لم أرتكب جُرماً عندما استحالت (أبلة فاطمة) على يدي إلى (أبلة دهب) ، لم أحقق فقاربت فحرفت.




(أبلة دهب) في أولى الحصص حاولت تحديد المستويات الاجتماعية والعقلية لتلاميذها ، عبر عدة أسئلة من قبيل ..
-         كل واحد يقول أبوه بيشتغل إيه ؟ (تذكروا فيلم لا مؤاخذة)
-         مين منكم يعرف الألوان ؟
-         بنصطاد إيه من البحر ؟
-         طيب ممكن السما تفيدنا بإيه ؟ يالا ياشُطار إيه إللي بينزل من السما ؟
وفي هذا السؤال الأخير ، حاولت جاهداً أن أنسى أمي التي اتضح لي أنها لن تأتيني لتأخذني من الفصل إلى البيت ، فحاولت الإندماج مع زملائي الملاعين في الترنيمة الشهيرة التي تصاحبها طرقعة الأصابع (أنا يا أبلة ، أنا يا أبلة ...)
-         إيه ده بطلت نواح ، قول يا إيهاب ، إيه اللي بينزل من السما ؟
= (وأنزلنا من السماء رزقاً لكم)
-         رزقاً لكم !! ، لا فالح ، السما بينزل منها المطر.

سبحان الله يا أبلة دهب ، دعي هذا الملعون الصغير يمارس الإجمال ، ففي الإجمال كل الجمال ، تذكرت هذه المفارقات وأنا أقرأ كتاب الفتنة الكبرى لدكتور طه حسين ، وهو يؤكد أن عُمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فهم المقصود القرآني والنهج النبوي القائم على الإجمال (إجمال لقيم الحق والخير والعدل) فأقام على أساسها خلافته ، حتى في التخصيص منها ، عطل أحكاماً واتخذ دواويناً ونظماً غير عربية ، فأغلق بـ (الإجمال والتخصيص) على المُسلمين أبواباً كثيرة للفتنة.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق