الجمعة، 31 مايو 2019

GAME OF THRONES FI RAMADAN

GAME OF THRONES × السيرة الهلالية

(مفارقات ومقاربات)




تابعت بشغف استحواذي ضمن كثيرين حول العالم مسلسل Game Of Thrones خلال فترة زمنية طويلة قاربت العِقد (2011 - 2019)، فترة يمكن بعدها للفرد منا أن يقيم ويرصد تطوره كإنسان من عدة نواحي، ومع مراسم وداع هذا العمل الرائع، المتعلق وجداني بأدق تفاصيله والحوارات المقتبسة على لسان أبطاله، ومواقع التصوير، وموسيقاه الخيالية، يطفوا السؤال مُلحاً على جنبات العقل، هل تطورت شخصيتي خلال هذا العِقد كتطور أبطال العمل، شاهدنا أطفالاً في عمر العشر سنوات تمر بتجارب قاسية متشابكة لينتهوا بعدها ملوكاً في عمر العشرين على ممالك ممتدة، تابعنا الحِكمة على لسان رجال عاصروا أهوال الحياة فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ضل سعية بالاختيارات الضالة، ومنهم من أحسن فنال.

وتأتي الإجابة مُخيبة للآمال، فيخفف من وطأتها شفاعة أن هذه العمل الملحمي إنتاج فني ضخم، بُذلت فيه ميزانيات كان يمكنها أن تُغير حرفياً مجتمعات على أرض الواقع، إلا أن هذه هي طبيعة صناعة السينما والترفيه؛ أسر عقول وقلوب المتابعين بعيداً عن أرض الواقع، ومع ذلك لن تتمكن أن تصبح لاعب فنون قتالية بعد مشاهدة أعمال بروس لي، ولن تستطيع أن تصبح جون سنو، لكن ربما يمكنك أن تتأثر بحكمة الليدي أولينا تايريل أو اللورد فاريس وتيريون لانستر وسير دافوس أو تتعلم اتقاء أطماع شخصيات كاللورد بيتر بايليش.

وهنا تكمن قيمة الخيال والإبداع، نسج طبائع الحِكمة والفضيلة والجشع والرزيلة في شبكة فنية مُتقنة الصُنع يُفتتن بها المتلقي أياً كانت خلفيته، إنه سلاح الإتقان، والفن فعلاً مرآة للشعوب، وصناعة الفن مرآة لقدرتها على الخيال، والخيال محرك العلم والتكنولوجياً، والعلم سلاح آخر يتسيد به مجتمع ما على غيره.

هذا وقد صرح عزيزي القارئ الكاتب الكبير الفيلسوف المثير للجدل يوسف زيدان في بوست له على صفحتة على الفيسبوك بما مفاده أنه تابع المسلسل من باب اطلاعه على الرائج ووجد أنه مسلسل تافه يخلوا من الحبكة والعقلانية ولا يمكن أن يقارن بما لدينا من صراعات وقعت حقيقة كأحداث الفتنة الكبرى أو فترة حكم المماليك وغيرها، تلك مقاربة بين يوسف زيدان ومسلسل GOT فكلاهما مُثيران للجدل، في الحقيقة معه حق على الأقل في المُقاسُ عليه من تصريحه، (إحنا ملوك الصراعات) ولكن المفارقة هي عدم قدرتنا على تمثيل هذه الخامات الثرية أو استخلاصها منطقياً عن طريق الكتابة فضلاً عن تقديمها فنياً، ربما نتفاوض مع جورج أر أر مارتن وشبكة HBO على قراءة تراثنا وتقديمه للعالم على غرار ملحمة أغنيات الثلج والنار.

صادف انتهاء مسلسل GOT أثناء شهر رمضان الكريم مرتع الأعمال الفنية المصرية الرائعة (إللي على قدها وعلى قدنا) التي لا أشاهد معظمها درءً (لحاجات كتير)، واستعيض عن ذلك بالتماس استعادة مشاعر الطفولة في الأعمال الرمضانية القديمة، تَشكَل ذوقي الفني غالباً بمحصلة جهود (فؤاد حداد وسيد حجاب وعبد الرحمن الأبنودي، عمر خيرت وعمار الشريعي، علي الحجار وأنغام ومدحت صالح، نيللي وشريهان سمير غانم وفؤاد المهندس) وكان الاختيار هذا العام على مسلسل السيرة الهلالية (الملحمي) الواقع في ثلاث أجزاء (1998، 1999، 2000)، لأُفاجأ صراحة بمقاربات كثيرة بينه وبين GOT، هل هي مجرد صدفة، أم أن معظم الصراعات البشرية تشترك في شخصيات وعناصر كثيرة (الحب والخيانة، الجبن والشجاعة، الطمع والإيثار، الشتات والائتلاف)، (وممكن يكون جورج أر أر مارتن شاف السيرة الهلالية ماهي موجوده على اليوتيوب).

المهم، أنا لا أعتبر نفسي ناقداً، وهذا يحررني بطبيعة الحال من اتباع مناهج النقد في تتبع السيناريوهات وزوايا الكاميرا وفنون السينماتوجرافي والـ CGI بالنسبة لمسلسل GOT، أو نقد مجرد قواعد المنطق البسيط واحترام أدنى حرفية بالنسبة للسيرة الهلالية، وإن كنت أتمنى أن يكون لدي مثل هذه الخبرة، (وديني ماكنت عتقتهم) وهذا يعني أن ما يلي سيكون عرضاً لبعض المشاهدات التي أثارت انتباهي من مقاربات بين بعض الشخصيات والأحداث..

ولتقديري التام لجودة صناعة GOT وإدراكي لمدى تواضع صناعة السيرة الهلالية حتى مع مراعاة فرق الوقت بين صناعة المسلسلين.
فأنا آسف حتماً لما سترونه ..




مقاربات أبو زيد الهلالي مع Jon Snow


وُلِدا سفاحاً:
ولد أبو زيد الهلالي أسود البشرة (والبشرى) دلالة العبيد في تلك الأزمنة، فاتهم قومه أُمهِ (خضراء الشريفة) بأنها واقعت أحد عبيد أبيه (رزق بن نايل الهلالي) فحملت به سفاحاً وتربى تحت اسم (بركات)، ثم تكشفت الحقيقة بالتفافة (تويستاية عبقرية) لا أعرف مدى مطابقتها للعلم؛ بأن خضرا الشريفة قد توسمت (توحمت) في طائر الغراب النوحي الذي فرق الجوارح من تحته، بأن يصبح وليدها فارس أسود على غرار ذلك الغراب، ليصبح بعدها (بركات/سلامة/أبو زيد الهلالي).

على الجانب الأخر عاش (جون سنو) معظم حياته في بيت اُعتبر فيه نغل للأب (نيد ستارك)، يصعب على قومه قبوله خليفة لأبيه على الشمال إلا بعد معاناة، ثم استبصر به الغراب وبرأ نسله ونزاهة أبيه وأصبح بعدها (إيجون تارجيريان) (بيفسح التنين).

الغراب:
الغراب نفسه مقاربة بين المسلسلين فبينما أصل الحكاية في السيرة الهلالية نبوءة الغراب النوحي، فنجده في صراع العروش رمز الاستبصار الذي سيحصد العرش في الأخير (ثيرد أيد رافِن)

 









لم الشمل والتنبيه للخطر الأكبر:
أبو زيد الهلالي غاية هدفه إنقاذ عرب نجد من (الجدب) الذي لحق بأرضهم، ولم شمل كل القبائل المتناحرة (بني عقيل، الزحلان، الفوايد، الزغابة، بني هلال) وقبول حتى أشد القبائل كرهاً لنبي هلال ضمن الجمع في رحلتهم لمحاولة الاتفاق مع قبائل الهمج (البربر) وملك المغارب الباطش (الزناتي خليفة) ملك تونس الخضراء للوقوف في وجه الخطر الأكبر (الأعاجم).

جون سنو يسعى لذات الهدف؛ لم شمل كافة عائلات الشمال، وحتى قبائل الهمج (الوايلدنج)، وحمايتهم من خطر (الشتاء الطويل القادم) والاتفاق مع الملكة الباطشة (سيرسي لانستر) للوقوف في وجه الخطر الأكبر (النايت كينج)

Winter Is Here    /    الجدب إز هيير

 
الوعد الكاذب:
يسوق أبو زيد الهلالي الوعد الذي سعى إليه على طول رحلته، بأن يتحالف مع الزناتي خليفة لإحلال السلام ومحاربة الأعداء، وعلى أدنى الاحتمالات أن ينتصر على الزناتي سيفاً ليُنعِم على شعوب المغرب بحكم قبائل نجد العادل، ليتضح في الأخير أن حكم الزناتي الظالم الجائر أهون بكثير من ذلك الُحلم الكابوس، فقادة عرب نجد بما فيهم من شرور كامنه وخلافات مستعرة (مغلفين فقط بفروسية أبو زيد الهلالي)، سيكونون وبالاً على أهل تونس، وسيصبح (دياب) كبير بني زغابة الذي سيهزم الزناتي، أشد فتكاً بهم.

وعلى الجانب الأخر يقدم جون سنو الملكة (دينيريس تارجيريان) على أنها الُحلم الواعد للسبع ممالك، حُلم الحرية وكسر عجلة الاستعباد لشعوب الممالك، والحاكم الشرعي بديلاً عن (سيرسي لانستر) الملكة الجائرة، لتكشف الأوقات بعد طول الرحلة الوجه القبيح للوعد الكاذب، بالحرية التي لن تتغاضي (دينيريس تاريجيريان) إحلالها ولو بالخوف والقوة وبإحراق الشعب ذاته الحالمة بتحريره.

Let it be fear   /   ولا يوم من أيامك يا سيرسي



الشعار المنتصر:
ففي السيرة الهلالية نجد الشعار المنتصر لديهم متمثل في (دياب) كبير الزغابة، وشعاره (الذئب) الذي ظهر لـ (سُعده الزناتي) على صفحات الرمل أمامها، والذي قُدر له هزيمة الزناتي خليفة (أسد الغروب – الأسد العجوز)، فالذئب سيهزم الأسد.

وعلى الجانب الأخر فإن (الذئب) هو شعار حاكم الشمال (جون سنو) خليفة بيت أبيه المزعوم (نيد ستارك)، ومن بعده أخته (سانسا ستارك) التي ستنفصل بالشمال كمملكة مستقلة عن الست ممالك الأخرى، وذلك بعد أن تُهزم (سيرسي لانستر) وشعار أسرتها (الأسد)، فالذئب سيهزم الأسد.

 




مقاربات دياب ابن غانم الزغابي مع Tormund


كفّة راجحة:
لا شك أن (دياب بن غانم) كان الثقل الذي أتاح لأبو زيد الهلالي رجاحة كفته، فهو قوي مقدام، رغم همجيته إلا أنه يحمل في جيناته صفات النبل والفروسية، ورغم الخلافات الكثيرة بينهما إلا أنهما عقدا تحالفاً أدى لانتصار عرب نجد على الزناتي خليفة.

وهذا هو الحال مع (تورموند) قائد قبائل الهمج (الوايلدنج) شعوب ما وراء السور، الذي أصبح بتحالفه أولى خطوات نجاح (جون سنو) في لم شمل الشمال، والانتصار على خطر جيش الموتى.

الهيام:
رغم صلف (دياب) وفورة التستسترون في داخله إلا أنه يهيم (بالجازية) أخت السلطان حسن، ويكفيه نطق اسمها أمامه لهز أركانه، وربما الخضوع وتحويل معالم الهيبة على وجهه.

كذلك (تورموند)، زعيم قبائل (الوايلدنج)، قاهر العمالقة التي رضع من ثدي إحدى إناث العمالقة بعد قهر زوجها، وقد قبّلَت النار روحه ليصبح ذو لحية كستنائية زنجبيلية (جينجر)، كل هذه الصفات الأسطورية تتحطم أمام خفة مقولته The Big Woman Still Here ?  (الليدي بيريان أوف تارث) الذي هام بها.



مقاربات أبو القمصان مع Samwell Tarly


أبو القمصان صديق البطل أبو زيد الهلالي، هزيل البنية لا يتقن النزال كصديقه البطل، ولكنه صديق وفيّ، يَتسِم بالحكمة والذكاء، وقد قُتل أبوه نجاح على يد أحد أكابر الهلالية، وحينما التجأ لأبو زيد ليقتص لقتل أبيه، سوّف أبو زيد معه الأمر ورفض بدعوى أنهم في محنة حرب.

سامويل تارلي صديق جون سنو، صعب الحركة ولا يتقن النزال كصديقه البطل، لكنه صديق وفيّ، يَتسِم بالحكمة والذكاء، وقد قتلت الملكة دينيريس تارجيريان أبوه وأخوه حرقاً بنار التنين (داراكاريس كده وهما واقفين)، وحينما التجأ لجون سنو ليقتص لقتل أبوه وأخوه، سوّف معه جون سنو الأمر ورفض بمقولته She is our Queen.



مقاربات العلاّم وزير الزناتي مع Lord Varys


ظهر العلام وزير الزناتي بمظهر الوزير المخلص الحكيم الذي يكتسب حكمته من علمه (بالخط في الرمال)، ويتماس علمه مع اسمه (العلّام)، بينما هو يطوع هذه الحكمة خفية في التخطيط لهزيمة ملكه، لاقتناعه الشخصي بأنه حاكم ظالم وأن الحاكم القادم سيحقق حياة أفضل للشعب المدحور.

يتشابه الأمر مع اللورد فاريس الذي يعمل في البلاط الملكي، مطوعاً كل حكمة لديه، التي يبنيها من خلال (همسات الصغار) فهو (The Master of Whisperers)، ليخطط من وراء الستار لتنصيب الحاكم الأفضل لمصلحة الـ (Realm).



مقاربات القاضي بدير مع Lord Petyr (Little Finger) Baelish


القاضي بدير لا يكل ولا يمل من نسخ خيوط الغدر بأي إنسان حتى ولو كان ذو قرابة، لا يسعى سوى للارتقاء ولو على أعناق كل البشر، يخون الصديق ثم يصدقه ليخونه مرة تلو المرة.

وهذا ما تميز به اللورد بايليش، وهو ما يتجسد في مقولته الشهيرة (Chaos Is A Ladder) الفوضى سُلَّم، يثير الفوضى ليرتقي، أحب كاتلين ستارك وخانها، وأحب ابنتها سانسا ستارك وخانها.



Melisandre (The Red Woman) مقاربات الدرويشة أيلوله مع


امرأة عجوز، درويشه وأم الدراويش، لها أحوال مع القوى العليا والاستبصار بالقادم، تسعى في تجنيد دراويشها استعداداً للحرب المنتظرة، التي سينتصر فيها الأمير المنتظر.
ميليساندري خادمة إله النار، تبعث الموتى (جون سنو) من الرقاد، وتسعى دائماً في تجنيد الرجال (الأخوية) لخدمة إله النور في الحرب القادمة، (you’ll shut many eyes)



مقاربات مكحول بن الغطريف وجوده ملك الزحلان ومرعي مع Jaime Lannister


هي مقاربة عابرة ولكنها تسترعي الانتباه، حينما تبرز علامتان في السيرة الهلالية، وهي قطع يد الأمير مكحول بن الغطريف ليستمر باقي المسلسل مقاتل بيد واحدة، وكذلك الأمير مرعي، وحينما يقتل الأمير جوده عمه الفضل ملك زحلان، ثم يحمل نعت (قاتل الملك) وزراً على أعناقه لأخر المسلسل.
مع شخصية جيمي لانستر (ذابح الملك)، ذو اليد المبتورة.

فياترى هل كل هذه المقاربات هي محض صدفة وتلفيق خيالي، الأمر يستدعي التفكير.