الاثنين، 25 ديسمبر 2023

قراءة في كتاب غاية الأرب في رحلة الطلب

 

قراءة في كتاب غاية الأرب في رحلة الطلب



شاهدت بودكاست أثير لشيخ جميل السمت باسم الوجه يحكي عن الأزهر ورحلة طلبه للعلم، وكانت حلقة جميلة رائقة، وتصادفت عقبها بكتابه هذا، فقرأت منه ثلثه الأخير فيما يهمني حالياً وذلك ملخص قرائتي..

غاية الأرب في رحلة الطلب، كتاب يرصد من خلاله الشيخ / إبراهيم المالي (الفاهم إبراهيم أحمد عمر محمد سليمان صه الإفريقي الفلاني المالي - الشهير بألفا معاذ أحمد عمر) ترجمات الشيوخ الذين تتلمذ على أيديهم، ومشاربهم وتأثيرهم عليه، ويرصد من خلالهم رحلة طلبه للعلم في أرجاء الأرض من العمق الإفريقي إلى المشرق والمغرب العربي، وأثناء وجوده في مصر طالباً في الأزهر الشريف طلب منه أحد شيوخه (الدر الحادي عشر) كتابة كلمة بخصوص الأحداث السياسية الجارية وقتها فكان كتاب فرعي: إبراء الذمة في نصح الأمة، الثورة العظيمة والتغيير الحقيقي. ضمن الكتاب الأصلي، وقد تناوله على الوجه التالي:

مقدمة في بيان معنى الحكم والسياسة، غاية السياسة على منهج آدم ومن صلح من بنوه نيابة عن الله في إعمار الأرض وإصلاحها، واجتناب السياسة على منهج إبليس ومن تبعه من جنده بالكذب والإفساد في الأرض.

باب في بيان معنى الثورة والتغيير الحقيقي، فالثورة هي التحرك والتحول من حال إلى حال، فهي محمودة إذا كان التغيير من حال الإفساد إلى الإصلاح، ومذمومة إذا كان التغيير من الصلاح إلى الإفساد، أو من تغيير السيء بالأسوأ، والتغيير يكون على مراحل ثلاث هي: (1) تغيير الأفراد أولاً (2) ثم تغيير الأسرة عبر اضطلاع كل بدوره ومسؤولياته فرب الأسرة ضمن ما كلف به مطالب بالرحمة، والمرأة ضمن ما كلفت به مطالبة بالطاعة، والأولاد ضمن ما كلفوا به مطالبون بالبر والبر هو الأثر الناتج عن اجتماع الرحمة والطاعة، (3) ثم أخيراً تغيير المجتمع ككل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمعناهما الحقيقي غير المستهلك، أمراً بما تعارف عليه الناس من مصلحة كالعلم، والعمل، والصدق، والمحبة، والإخلاص، والتضحية، والرحمة، ونهي عما أنكروه الناس من كل مفسدة كالجهل، والبطالة، والكذب، والكراهية، والنفاق، والضعف ، والقسوة، ثم يأتي من بعد استيفاء ذلك الأمر بالصلاة، وموجبات الدين، كما أن إصلاح المجتمع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له درجات وأدوار لا يجب التداخل بين هذه الأدوار وإلا فسد المطلوب، فالحاكم يأمر وينهي بقوة السنان، والعالم يأمر وينهي بقوة اللسان، والغني يأمر وينهي بقوة الدينار (المال)، ثم يشترك الجميع في الأمر والنهي بحسن الخلق وطيب السريرة.

باب في بيان معنى الفساد وأقسامه وذكر المفسدين في الأرض، والفساد هو الظلم والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، وإلباس الحق بالباطل، وتحريف الكلم عن مواضعه، فوجب على كل منا تحري مواضع الإصلاح والإفساد في خطاه.

باب في بيان معنى الشورى الإسلامية والديمقراطية الشيطانية، ورغم اتفاقهم في المعنى تقريباً إلا أنهما يختلفان في الجوهر من أن الشورى مرهونة باتفاق أهل الحل والعقد الصالحين على ما لا يخالف أوامر الخالق، أما أن الديمقراطية هي اتفاق عموم الناس على ما ارتضوه إطلاقاً حتى لو كان ما ارتضوه كان شراً محضا.

باب في ما يمر به العالم اليوم عموماً والعالم الإسلامي خصوصاً، من انقسام العالم بين محور للإصلاح ومحور للإفساد، وهي الثنائية المتداولة بين البشر جميعاً وهى ثنائية الخير والشر، وأنا أراها ثنائية نسبية بين البشر، يتداخلها تزيين الشيطان للإنسان أعماله، فعسى ألا نكون من الأخسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

ثم خاتمة بعنوان هدى العباد لبيان فقه الجهاد، وهو كتاب أرسله لرئيس أحد الجماعات الإسلامية التي خرجت على الحكومة المالية وقتها، ينذره فيها لمعنى الجهاد وبيان فقهه، وقسمه لثلاث مباحث، الأول في معنى الجهاد وبيان من هم المجاهدون في العالم الإسلامي اليوم، وبين الكاتب معناه بأنه السعي لإعلاء كلمة الله وبأن لنا في رسول الله أسوة حسنة في فقه الجهاد، بما أوضحه من أن جهاد السيف هو الجهاد الأصغر وجهاد النفس هو الجهاد الأعظم وهو الأشق والأكثر ثواباً، وقد مر الرسول صلى الله عليه وسلم بمس مراحل للجهاد (1) الجهاد بالكلمة المجردة وهي توحيد الله ومكارم الأخلاق. (2) الجهاد بالهجرة اتقاءاً للإفناء. (3) جهاد المتاركة والموادعة. (4) جهاد الدفع بالدفاع عن النفس رداً للاعتداء. (5) جهاد الطلب بتبليغ الدعوة للعالمين. وخصص المبحث الثاني في مشكلة الخوارج وفهمهم الخاطئ لحاكمية دين الله، وتكفيرهم سيدنا علي بن أبي طالب لرضاؤه بالتحكيم بينه وبين معاوية، ومن هنا بدأت مسألة الخروج على الحاكم فأجازتها الخوارج ومنعها أهل السنة والجماعة، وأورد أدله أهل السنة والجماعة في هذا الشأن. والمبحث الثالث والأخير كان نصيحة عامة لكيفية الخروج من هذه الفتنة التي لا تبقى ولا تذر.


الاثنين، 15 مايو 2023



مثنوي مولانا جلال الدين الرومي، عمل أدبي روحاني متعدي، لا يمكن أن تقف على معانيه ومراميه حرفياً، وأظن أنه ليس بدعاً من الكتابات الصوفية، فهي في معظمها، قائمة على التجربة الروحية الشخصية لأصحابها، فمنهم من صادق الله فصدقه وأكرمه، ومنهم من شطح لا نعلم عن شطحته سوى الظاهر منها والله أعلم ببواطن الأمور وظواهرها.

وعلى هذا فإن المثنوي على قدر كبير من العمق، سواءً من حيث الاسترسال في بعض المواطن، أو التكثيف بالرمز في مواطن أخرى، وكذلك فهو عامر بضرب المثل، فيجب أن يُقرأ بتأني، فأثناء قراءته توقفت أحياناً عن بعض المعاني التي استغلق عليّ فهمها، وأحياناً أخرى كان المعنى واضحاً سلساً متوافق مع النصوص الشرعية وفهمنا العام لها، وفي قرائتي الأولى للمجلد الأول من المثنوي تجاوزت عن كثير من المعاني التي تخالف المستقر أو تسترسل في أحداثه دون سند، فمن أين ستأتي بالمصادر وتقارن بينها، إلا أن تذهب فتحقق المخطوط الأصلي بلغته، ويمكن أن أعزي بعض التلغيز في الترجمة ذاتها، مع كامل تقديري لمترجم ومحقق ذلك العمل، فلا شك أن عملية الترجمة من أشق الفنون، وكذلك في المشهد التاريخي والمعرفي الذي كتب في ظلاله المثنوي.

ويجب الإشاره إلى أن مبلغ طموحي في قراءة ذلك العمل في هذه المرحلة هي، الوقوف بشكل عام على المضمون الروحي له ومقارباته المختلفة للنصوص الظاهرية على قدر تحصيلي لها. فيالله أنعم وأكرم وفض علينا من بركاتك.