الاثنين، 2 أغسطس 2010

Carmina Burana


توقف عن الكتابة دام عدة أشهر تخللتها كثير من الأحداث التى اعتقدت أنها جديرة بالتوثيق - خارج اطار المشاعر المبعثرة - ولكني لم أتجرأ على إخراجها من بين ثنايا نفسي حتى اعتقدت أنى هجرت عادة إدراج مكنون المشاعر فوق أسطر تحملها نيابة عن عقلي المكدس ، وقد أدركت أنى لم أخطها إلا لأنها تلاحقت علي لتقلب كياني رأسا على عقب آسرِة لفكري تمام الأسر ، على كلٍ لست هنا بصدد عرض تلك الأحداث وإنما بصدد لعبة ذاتية ..

--

لعبة الروابط ، روابط المعلومات وتنظيم حوافها ونشوة البحث عنها - لحفر معرفة فى سلسلة اللاوعي لعقل بشري معجز فى سرعة معالجته ، معجز فى انقضاء وفض ترتيبة بسبب معوقات تبطئ من إنجاز المعرفة لنبقى سجناء للسعى خلف طعام نحيا به هياكل جوفاء.

--

إعتدت فى الآونة الأخيرة أن أرتب أفكاري وأشيائي كمريض بداء التنظيم ، أدرك إذا تحرك قلم من مكتبتي ليتوارى خلف أخيه ، أصرخ بعلو صوت كمن يتباهى بصوته الجهير ، من قد تجرأ وظن أنه قد يتلاعب بممتلكاتي ويواريها دون أن أدري ، والإشكالية ليست فى استخدام أشيائي وإنما عدم أحترام ترتيبي لها.

--

ومن ثم اكتشفت حرصي على أظهار الروابط بين الأشياء والتى بدورها تسموا بالمعلومات المتاحة إلى تكوين المعرفة التى تترسخ فى وجداني كونها وصلت إلى عن طريق بحث أو بإلصاقها بروابط أخرى مترسخة داخل عقلي فأتيقن أنى اكتسبت معرفة جديدة وهو ما يجعلنى أنتشي.

--

ربما لم أكن كذلك منذ بضع سنين فحينما تخرجت ووجدت نفسي فى مستهل الحياة الواقعية التى لابد أن أعتمد فيها على ذاتي – فلم يعد هناك حفنة من السنين تشكل حولي هالة للحماية من أروقة الحياة العملية – وجدت نفسي أحصي مقدار السنين التى مررت بها وعددتهم واحد وعشرون عاماً حاصل جمع معرفتي خلالهم أشباه معلومات ذائفة – لا سامح الله من تسبب فى انتكاسة المستوى التعليمي والثقافي لشعبنا المغترب.

--

ومثلما أثقلت نفسي عبئ خوض غمار الحياة بمنظور المسئولية الذاتية ، إجباراً لا إختياراً ، وجدتني أزرع فى نفسي التوق الى اللحاق بما فاتني من قراءات واستطلاعات ، شوقاً وإختياراً لا إجباراً ، وهكذا الى أن توصلت للعبة الروابط التى تساعدني على جمع شتات معرفتي بالأشياء.

--

مقدمه طويلة قد يخالها من قد يتصادف وصولة لقراءة تلك الكلمات أنها تهويل لمعرفة جديدة قد حصلت عليها وسارعت لتدوينها وكأنه اكتشاف مستحدث فى دائرة معارف الخليقة ، ولكنها لا تعدو كونها مقدمة من قبيل التسخين للفوز بإنجاز شخصي فى لعبة ذاتية ربما تكون بدون مشاهدين.

--

ها قد وصلنا لبيت القصيد ، فى يوم من الأيام الخوالى يوم كنت أستضيف أصدقاء الجامعة كل يحمل في يده ( هارد ديسك ) غالباً ما يكون أخر ما قد توصلت اليه أيدي الخبراء ( 40 جيجا بايت ) وكنت اتطاير فرحاً حينما أعثر على أغنية نادرة أو فيلم جديد ، وتصادفت بمجموعة من المقطوعات الموسيقية الغربية الكلاسيكية والشرقية وغيرها ، وأنشأت لاجلها مجلداً جديدا ، وحينما غادر أصدقائي عمدت إلى ترتيب وتنظيم محتويات المجلد الى مجلدات فرعية بإسم المؤلف الموسيقي ومجلداً عام للمعزوفات مجهولة المصدر بالنسبة لمعلوماتى.

--

وبدأت فى تنقيح المحتوى من المستهجن لزوقي ، وبالطبع تخطيت تلك المعزوفة كونها أختطفت روحي وأدركت أنها معزوفة شهيرة ولكنى لا أفقه الموسيقى الغربية وروادها ، فظننت بفهلوة مصطنعة أنها لتشايكوفسكي الذي لم أكن أعرف عنه سوى أسمه والذي كان يثقل على نطقة رغم حلاوة إيقاعة على الألسن ، فأدرجتها مجلداً جديدا بأسم تشايكوفسكي وتناسيت أمرها ، وحينما أسترق السمع إليها من وقت لأخر ، أقول لنفسي يالاروعة تشايكوفسكي ، مبدع بحق ، ولا أنكر إبداع تشايكوفسكي وإنما تأكيداً لمعرفتي الزائفة وعدم سعيي للبحث والتمحيق.

--

وبعد إنقضاء السنوات اخذت فى تنقيح محتوى مكتبتي الموسيقية بشكل يليق برغبتي فى التأكيد على ترسيخ المعرفة الشمولية للأشياء ، فعرفت تحديداً من هو تشايكوفسكي واستطعت أن ألفظ إسمه اللفظة السليمة وأدركت بحدس بسيط أن تلك المقطوعة ليست من معازفة ، وبقليل من الحيرة والعجز شرعت فى أن القى بها بعيداً إلا أننى قد مسحت المجلد العام ذو المقطوعات مجهولة المصدر وكنت على شفا خطوة من أن أمسح المقطوعة ذاتها ، إلا أننى عبت على ذاتي الضيق بالبحث فأخذت فى سماعها وأخذت أغوص فى مكنونها وظللت أبحث فى ذاتي على رابط أستطيع معه البحث عن أصل تلك الموسيقى ، فلا يوجد لدي من أصدقائي من يسدي لي الرأى فى هذا الشأن ، وكيف إذن سأبحث عن مقطوعة موسيقية فى محركات البحث ..؟ أأكتب مقطوعة موسيقية رائعة ، أم سأبحث عن مقطوعة موسيقية ليست من أعمال تشايكوفسكي !!! .

--

وتكاد تكون مكافأة لسعيي لا أدري .. !! ولكني لم أبذل مجهوداً ملحوظ حتى أرتسم بمخيلتي رابط قريب من هذه المقطوعة ، فمنذ فترة كنت أستمع فيها الى الموسيقى القوطية لما يقطن فيها من الغموض اللاتيني الأسطوري التي يذكرني بعشقي لعبق المخطوطات القديمة والورق الأصفر المشبع بحمرة تنم على معاصرتها لشعوب بائدة ، فقد تابعت بشغف إصدارات المشروع الموسيقي ألماني الأصل (Enigma) والتى لم أعرف معظم كلمات ترانيمهم لجهلى باللاتينية ولكني كنت عالم تمام العلم بالشعور الذي يتخلل روحي بالسعادة والنشوة الوجدانية ، فتذكرت حينها أغنيتهم البارزة (Gravity of Love) والتي تبدأ بكورال لاتيني بنغمة تصاعدية هي أقرب للمعزوفة مجهولة المصدر لدي ، فعلاً تكاد تلاصقها نظماً ونغماً ثم تتقاطع الكلمات معها بإنجليزية هامسة لتعرض مضمون الأغنية.


http://www.youtube.com/watch?v=GzFp2-Rt880

--
فبدأت البحث عن بداية الأغنية ومرجعيتها التاريخية ولبرهة قد وجدت ضالتي (O Fortuna) هكذا كانت تكتب ولكني لا أستطيع وصف مدى روعة صياغتها نغماً بواسطة الكورس الموسيقي واهتديت عن طريقها إلى الإسم الكامل والحقيقي للمعزوفة الرائعة (Carmina Burana) لمؤلفها (Carl Orff) فأنشأت مجلداً بإسمة وأخيراً أدرجت الملف الموسيقي مكانة الطبيعي وبدأت البحث عن كارل أورف وعلمت أنها المعزوفة الأشهر له وعلمت أنه تواق إلى الشعر اللاتيني والألماني فى العصور الوسطى وأنه يهوى المزج بين سلة من اللغات ( اللاتينية ، البافارية ، الساكسونية ، الفرنسية ، الإيطالية ) فى أعمال ملحمية ذات طابع أوبرالي يستمد روعته من المزج بين الأشعار القديمة وحسه الموسيقي المستحدث ، وهو ما تجلى فى المقطوعة الرائعة كارمينا بورانا التى إذا ما قرأت أشعارها فستجد نفسك ملقاه فى إحدي السفوح أو الحانات فى العصور الوسطى وستجد الحب والخمر والعذارى هم الأثير بين ثنايا موسيقى خلابة لن تستطع معها إلا أن تعيد سماعها مرة بعد أخرى وتنتشى بها قدر ما رغبت.



--
أما عن المصدر الرئيسي لكارمينا بورانا وبإيجاز بسيط فهى مخطوطة لاتينية قديمة خطت فى القرن الثاني عشر وتم إكتشافها فى دير بولاية بافاريا فوق جبل بيورين وهو ما يرجح كسبب تسميتها بكارمينا بورين أما عن الشطر الأول من التسمية فتعني كارمينا بالإيطالية واللاتينية الأغاني أو الأناشيد ، وهي عبارة عن أشعار تنتقد الحياة وسخرية المقادير فيها ، وزوال العلاقات الأخلاقية ووصف لمباهج الحياة من الخمر والنساء والملك فى ذاك الوقت.

--

واختلفت رؤيتي للمقطوعة التى لم تتعدى الخمس دقائق والتى كانت ملقاه أمام ناظري طوال ثمان سنوات فاستعنت بالبحث عليها فى موقع YouTube وشاهدتها واستمعت جيداً للكورس الغنائي اللاتيني وتمنيت لو استطعت أن اعثر على النص المكتوب - المانوسكريبت - عن الأصل اللاتيني وحالفني الحظ فى أن أجدها فى رابط بسيط بمدونة على ما أتذكر أن اسمها أعتزال ، فسارعت بتحميلها ، وقمت بالبحث عن العمل الموسيقي كاملاً فوجدته على موقع 4Shared فقمت بتحميلة ، وأخذت أترجم نثرياً من الترجمة الإنجليزية المرفقة بالأصل اللاتيني وتوقعت أنى ربما سأمل بعد ترجمة نص أو أثنين من النص ولم ألحظ سوى أن اكتلمت ترجمتي المتواضعة لكارمينا بورانا لكارل أورف ، ولم أكتفي بل ألح على شعور بأن أعاود عادتي بأن أطرح أفكارى ومشاعري الكامنة أسطر توثق وتحمل عني ما يجول بخاطري رغبة فى استكمال الروابط الشمولية للأشياء.

--


--
وأما عن عرض من بعض الأشعار المكونة للمخطوطة كارمينا بورانا فسأبدأ بعرض النص التي طالما استمعت اليه ولم أعرف ماهيته (O Fortuna) والذي عمد كارل أورف على أن يودعة بداية ونهاية لمقطوعته بالغة الجمال والذي أبدع فى خلق موسيقى توازي أصالة وقدم النص الأصلي وإمتدادها عبر الزمن وعن فلسفتها فإن المرء إذا ما ارتفع وارتقى الى العلية فهذا مدعاة لخوفة لأن الخطوة التالية ستكون انحداره منها باندفاع فالأقدار كالعجلة يوم ترتقى أعلى نقطة فيها تنحدر النقطة المقابلة لها للأسفلين :
--

O Fortuna (Chorus):

O Fortuna أيها القدر

velut luna كالقمر

statu variabilis, حالك متغير

semper crescis تكبر دائماً

aut decrescis; أو تتوارى

vita detestabilis حياة ذل و هوان

nunc obdurat تضطهد وتهان يوماً

et tunc curat ثم تلهو وتمرح يوما

ludo mentis aciem, كخيال يأخذ

egestatem, فقرك ووهنك

potestatem وقوتك

dissolvit ut glaciem. ويذوب كالثلج

Fortuna Wheel :

In Fortune solio على عرش القدر

sederam elatus, اعتدت أن أجلس منتصباً

prosperitatis vario متوجاً بــ

flore coronatus; بأزهار متعددة الألوان والإزدهار

quicquid enim florui حينها كنت متباهياً

felix et beatus, سعيد ومسرور

nunc a summo corrui والأن قد سقطت من القمة

gloria privatus. متجرداً من كل مجد

Fortune rota volvitur: عجلة المقادير تدور

descendo minoratus; أنخسف أرضاً

alter in altum tollitur; وغيري نجمه يسطع

nimis exaltatus فى العلى

rex sedet in vertice بلوغ الملك للقمة

caveat ruinam! مدعاه لخوفه من للانحدار والسقوط

nam sub axe legimus وتحت عرشه قد كتب

Hecubam reginam. الملكة (- هيكوبا ) ـ

وهيكوبا هي زوجة بريام أخر ملوك طرواده


--