السبت، 1 يناير 2011

مصر ما قبل الفتح الإسلامي (631 - 641)م

مصر ما قبل الفتح الإسلامي

(منذ عام 631 وحتى عام 641 ميلادية)

.

رسالة الرسول (ص) الى المقوقس والمحفوظة في قصر طوب قبو باسطنبول
.
.

· في الوقت الذي كانت مِصرُ فيه تحت سيادة الفُرس وبعد هروب المُطران المَلكاني التابع للقصر البيزنطي كان كبير أساقفة القبطْ يُسمى (أندرونيكوس) وكان يتأهل تحت يديه قِسْ عُرف بورعه يُسمى (بنيامين) ولما مات أندرونيكوس عام 622 ميلادية تولى هذا القِسْ مُطرانية القِبطْ ووافق إختياره لولاية الكنيسة تأييد الناس ، وعمل بنيامين على توحيد نفوس القبط وبَث الإستقرار في أحوالهم وإستعادة مكانتهم التي كانت تتضائل تحت سَطوة المُطرانية المَلكانية ، وظل بنيامين خمس سنوات في سلام تحت سيادة الفرس إلى أن أجلاهم هرقل عن مصر عام 627 ، وفي ذات الوقت الذي إستعاد فيه هرقل هيبة المسيحية كان المسيحيين على إختلاف نحلهم على قلب واحد من الإمتنان والبشارة حتى أن الأقباط ساهموا بأكثر من ذلك عند إشتراكهم في الثأر من اليهود عام 630 ميلادية في ذلة هرقل العرقية لمحاولته إبادة أقوام اليهود ، وكان يُمكن أن يتوحد على إثر تلك المفازة (الإنتصار على الفُرس) عموم المسيحيين إلا أن هرقل - وهو في محاولته لمعالجة هذا الأمر بابتداع المذهب التوفيقي بين رعاياه - لم يَفطن لنفوس القِبط وكان جَلْْ خطأه في تولية (قيرس) الكنيسة المَلكانية والحُكم على مصر.

.

· فبعد أن بُعث (قيرس) الى مصر عام (631) ميلادية ولمُدة عشر سنوات - وفي سبيل نشر مذهبه الذي كان عليه أن يَستميل قلوب الأقباط إليه والمَلكانيين كذلك - تدرج بسُلطانه من الولاية الدينية إلى حُكم مصر وأصبح مجرد ذكر إسمه مَدعاة لخوف وكره الأقباط حيث أنه وبعد فشله في تعميم المذهب التوفيقي الذي أقره هرقل عمد إلى التعسُف في مقاليد حُكمه وإضطهاد مذهب الأقباط حتى هرب مُطران الأقباط (بنيامين) إلى الصحراء لما لاقاه من تعسُف نظير رفضه لبدعة المذهب الجديد وصار جُند الروم في أنحاء مصر مُدة العشر سنوات أداة حية لتعذيب الأقباط وهم واقعين بين خيارين أحلاهما مُرْ إما إعتناق المذهب المُبتدع أو الإضطهاد والتعذيب ، وقد يترائى للبعض شئ من المبالغة في إستمرار مثل هذا الإضطهاد عشر سنوات متواليه إلا أنها الحقيقة التي لا مراء فيها ، بل أنه لم يَبرز من التاريخ عن حكم قيرس فيما ورد عن المؤرخين الأقباط أو غيرهم من الروم والعرب إلا التنكيل والإضطهاد الضاري للأقباط (1) وخُصوصاً لما يتميز به أهل مصر (القِبطْ) (2) من تمسُكهم بعقائدهم ولو فيها فنائُهم ، وأصبح قيرس بظُلمه عاملاً تمهيدياً في فتح العرب لمصر.

.

· هذا ما كان من حال القِبطْ في هذا العهد ، أما بلاد العرب فكانت لها شأناً آخر وهو ميلاد دولة الإسلام وإشتداد شوكتها وتوحيدها لجُموع العرب تحت راية حُكمها ، وقد كان العرب على الإجمال أقوام تميل إلى الإغارة والحروب وكانوا قبل ظهور الإسلام طوائف تنفصل كل واحدة منها بولائها وإنتمائها ، إلى أن ظهر الإسلام وتوسع حتى شمل الجزيرة العربية وربوعه فاجتمعت للعرب صفتان ما إجتمعتا في قوم إلا وكانت لهم الغَلبة والسيادة وهما القوة والإيمان ، وبعد حوالي خمس سنوات من الهجرة إى تقريباً عام (627) ميلادية بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم في إرسال الكتب إلى الممالك للدخول في الإسلام سِلماً أو إتاحة المجال لنشر الدعوى دون إعاقتها ، فأرسل إلى كسرى الفُرس فمزق الرسالة وقَتل حامِلها وأمر أتباعه أن يأتوه برأس الرسول صلى الله عليه وسلم ولما علم الرسول فكان رده أن كسرى قد مزق مُلكه وقد كان ، أما هرقل عظيم الروم فكان مَزهواً بنصره على الفُرس فلم يُبالى بأمر الدعوة إلا أنه استدعى إحدى قوافل العرب في الشام وكان على رأسها أبي سفيان وإستفسر منه عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يلقى منه إلا حسن الصفات وهي الرواية التي ذُكرت في صحيح البخاري ، أما المقوقس حاكم مصر فكان رَدْه مُعتدلاً وأرسل له هدايا كانت من ضمنها السيدة مارية القبطية التي أسلمت وتزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم وأنجبت له إبراهيم الذي توفاه الله ولم يتجاوز عمره شهوراً ، وفي عام (632) ميلادية توفى الرسول صلى الله عليه وسلم بعد حجة الوداع بعد أن أتم رسالته الخاتمة وبدأ عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم .

.

· إما هرقل فكان فى الوقت الذي يترقب فيه خضوع ملوك العالم له على إنتصاراته ، كانت جيوش المُسلمين - (وكانوا لم تعد بعد عقيدتهم قد جابت سفوح الأرض إنتشاراً ورسوخاً وكان ما يُعرف عنهم عند ملوك العالم أنهم أقوام عرب جائوا من قِفار الصحراء لغزوا الأرض) – تؤذن بالحرب إذ لم يكن الفتح سلماً خياراً مُستجاباً من قبل المدائن ، هذا وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بعامين وبخلافة أبو بكر الصديق وبقيادة القائد المغوار خالد بن الوليد وبعدما إنتهى من دخول بلاد الفرس شمالاً شارف على مناطحة سيادة الروم على الشام ، وتوفى الخليفة أبو بكر الصديق في يوليو من عام (634) ميلادية وأعقبة في الخلافة عُمر بن الخطاب الفاروق رضي الله عنه وعن سائر الصحابة والخلفاء أجمعين ، وانهزمت جيوش الروم بقيادة تيودور شقيق القيصر في موقعة اليرموك في سبتمبر من ذات العام (634) ميلادية على ما كانوا عليه الروم من عُده وعتاد تفوق المُسلمين بقيادة خالد بن الوليد سيف الله المسلول ومعه يزيد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص، وأعقبت جيوش المُسلمين الهزائم بالروم تباعاً حيث كانت تسبقهم هيبتهم وجلالهم إلى قلوب المدائن فيتيقن أهلها من غلبة المُسلمين ، وهكذا فتح خالد بن الوليد دمشق عاصمة الشام القديم في نطاق معاهدة تحفظ علي أهلها سلامة أرواحهم ودينهم وكنائسهم دون مساس وكان ذلك عام (635) ميلادية ، وكان حال هرقل ملك الروم قد آخذ في الإنحلال والإعتلال وضعُفت هِمته بإنحلال قيمه فقد إرتكب خطيئة زواجة من إبنه أخته (مرتينه) ودَبْ في قلبه الوهَن من تقدم المُسلمين فسارع إلى الهروب من بيت المقدس في الشام وأخذ الصليب المُقدس وكل ما له قيمة معه إلى القُسطنطينية ، وضرب خالد بن الوليد حصاراً طويلاً وشاقاً خارج أسوار بيت المقدس - وكان ذلك في شتاء (636-637) ميلادية - خارت له قوى وآمال الروم في الصمود أمامه ، ففاوضه (صفرونيوس) مُطران بيت المقدس على تسليمها على شرط أن يأتي الخليفة عمر بن الخطاب ويكتُب عَهدها بنفسه ، وبشئ من الإيجاز للعجز عن الوفاء بحق الفاروق في هذا الموضع يطرح التاريخ مقولة المُطران صفرونيوس دليلاً لا يشوبه شائبه - بل وبعيداً عن التاريخ الإسلامي - في تواضع وعدل عُمر بن الخطاب رضي الله عنه (عندما آتى الفاروق بيت المقدس مُترجلاً عن جواده لا تُحيطه زينة أو موكب مُبهرج كحال الملوك ولكنه آتى متواضع الثياب والخُلق فتحققت بذلك نبوءة النبي دانيال في الكتاب المُقدس عن مواصفات فاتح القُدس من العرب).

.

· فلما فرغ عمر بن الخطاب من فتح بيت المقدس إقترح عليه القائد المُحنَك (عمرو بن العاص) فتح مصر وكان الخليفة مُتردداً في أمر هذا الفتح تحديداً لأنه لم يُرد أن تُؤخذ مصر على شئ من التهوين وعدم الإحتراز ، إلا أن عمرو بن العاص أعاد مُقترحه مجدداً لما فيه من مواطن القوى وتعزيز دعوة الإسلام فوافقه الخليفة على المَسير نحو مصر ، (وقد أورد المقريزي وابن خِلدون رواية أن الخليفة قد بعث بكتاب إلى عمرو بن العاص وهو في طريقة إلى مصر يحثه فيها على العُدول عن أمر الفتح إلا أن عمرو بن العاص فطِن لما تحويه الرسالة فماطل في إستلامها حتى دخل العريش ولما فتح الرسالة وجد أن الخليفة يأمره بالعدول عن الفتح إذا لم يدخل أرض مصر أما إذا كان قد دخلها فليكمل بعون الله وسيصله المدد لتعزيز قواه) ، وأقام جيش المسلمين الصغير – حيث لم يتعدوا تشكيلة كتيبة من كتائب الصحراء – عيد الأضحى في صحراء العريش في ديسمبر عام (639) ميلادية والموافق 18 هجرياً ، وكانت هذه الكتيبة الصغيرة المُقدِمة على فتح بلاد ضاربة الجذور في التاريخ والحضارة لا تقل بهائاً وجلالاً عن مجد هذه البلاد بقيادة العقلية الفريدة عمرو بن العاص ولما وُجدوا عليه من إيمان وقوة.

.

.

شخصيات المرحلة

.

· (قيرس) وهو ما يعرف فى التاريخ الإسلامي بإسم المقوقس ، وهو مبعوث هرقل إلى مصر بعد طرد الفرس منها ، وتولى الولاية الملكانية عام 631 ميلادية ثم تعدت ولايته الدينية إلى الحكم وجباية الأموال لصالح هرقل ، وقد إختلف المؤرخين في كونه هو متلقى رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم عام 628 ميلادية وأن مُتلقي الرسالة هو جورج بن متى وأرى المنطق في هذا مع ما ورد عن المقوقس في التاريخ الإسلامي من أنه كان يميل إلى الرفق حيث مال قلبه إلى خروج النبي الخاتم المذكور في الكتاب المقدس من أرض العرب لا من أرض الشام منبت الأنبياء ، ولكن المؤكد أن قيرس - سواء كان يطلق عليه المقوقس أو إختلط الأمر في شأن تسميته - هو الذي أنزل بالقبط العذاب عشر سنوات منذ 631 وحتى 641 ميلادية لإجبارهم على إعتناق المذهب (المونوفيسي) التوفيقي بين مذاهب المسيحيين المختلفة في ذلك الوقت.

.

· (عمرو بن العاص) (3) فأما ما ورد عن نسبه في كتاب بن قتيبه فهو عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سهم بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانه ، أما ما ورد عن صفاته تاريخياً فقد كان عمره تقريباً عند فتح مصر 45 عاماً وكان قصير القامة ، قوي البنية ، عريض الصدر ، فارس بارع في ضرب السيف ، عيناه سوداوتان ثاقبتان سريعتان التأثر فرحاً وغضباً ، وكان وجهه ينم عن القوة في غير شدة ، وكان معروفاً بسرعة ردة وحدة ذهنه في الإجابات المُفحِمة ، وكان فصيح اللسان والخطاب ومُحباً للشعر وجمال النَسقْ ، وكان إسلامه في السنة الثامنة للهجرة تقريباً أى حوالى عام 629 ميلادية في الحبشة على يد جعفر بن أبي طالب ، وقد ورد عن كرم نفسه أنه عندما لامه أحدهم عن إرتياده لبغلة قبيحة المظهر فرد عمرو بأن (لا ملل عندي لدابتي ما حملتني ، ولا لإمرأتي ما أحسنت عشرتي ، ولا لصديقي ما حفظ سري) وعلى إجمال ما إتفق عليه المؤرخين فإنه كان جَياشْ النفس حاد الذكاء ، تقي في أمور الدين بإستثناء بعض اللمم من مطامع الدنيا في بعض أيامه ، وكان مُحبَباً مُبشراً ووجهه مؤنِساً يملُك على الناس قلوبهم.

.

.

--------------------------

(1) وقد ورد فصل كامل (الفصل الثالث عشر) بإسم الإضطهاد الأعظم للأقباط على يد قيرس صفحة 202 في كتاب فتح العرب لمصر ، تأليف ألفريد ج بتلر وتناول فتره حكمه قبيل الفتح الإسلامي ، وكذلك بحثين في الملحق الثاني والسابع من ذات المؤلَف ذُكر فيهما على الإيضاح شخصية قيرس ومنهاجه وأصل تسميته بالمقوقس.

(2) أما عن مصطلح الأقباط فهو لا يعني المسيحيين كما تتناوله الألسنه في هذا العصر ، وإنما هو التعريب اللُغوي للمُسمى اليوناني (إيجيبتوس) عن أهل مصر بإختلاف عقائدهم ، كما أن الحديث النبوي الذي وصى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين بقِبطْ مصر يشمل جميع أهل مصر وليس مسيحييه فقط.

(3) أوردت الحديث عن عمرو بن العاص نقلاً بغير ذات النسق من كتاب فتح العرب لمصر (الفصل الرابع عشر) ، أما إذا تجاوزنا الحديث عن شخصية - كالتي حظي بها عمرو بن العاص أو أحد الصحابة الكبار - إبحاراً في كتب السير الإسلامية لفرغ فيه المداد وعجرت عن بيانه الكلمات ، ومن هنا كان الحديث عن عمرو بن العاص من وجهه نظر التأريخ العام.

.

المراجع:

· كتاب فتح العرب لمصر – سلسلة صفحات من تاريخ مصر – تأليف ألفريد ج بتلر في عام 1902 ، ترجمة وتعريب محمد فريد أبو حديد بك ، الطبعة الثانية 1996.

· قصة فتح مصر – من القبطية إلى الإسلام – تأليف حامد سليمان ، إيداع 1988.

· فتح مصر ، د.جمال عبد الهادي ، جامعة أم القرى ، إيداع 1999.

· بعض الأبحاث عن الأماكن والأشخاص في ويكيبيديا ، والبحث عن الصور من محرك البحث جوجل

ملحوظات:

· الموضوع عبارة عن تلخيص شخصي ومنهجية ذاتية في البحث والإطلاع ، تحريت فيها الدقة قدر المستطاع ، مع حفظ حقوق الملكية الفكرية عن الصيغة المستخدمة فى التلخيص والتنسيق ، وحفظ حقوق الملكية للصور الواردة في الموضوع لأصحابها.