الخميس، 19 أبريل 2018

خطة لتحقيق الهدوء داخل الأسرة


قراءة في كتاب
كيف تفوز في مشاكل البكاء والمشادات مع طفلك
(خطة لتحقيق الهدوء داخل الأسرة)
لـ سنثيا ويثام



- الأطفال أحباب الله، وأعتقد أنهم أحباب الشيطان كذلك، لقدرتهم العفوية على إخراجك من الملة، طفلاً كُنتُ أشعر أنني إنسان مستقل تماماً عن هؤلاء الكبار الذين يعاملونني من مُنطلَق الرياسة والتبعية وما يقتضيانه من السمع والطاعة.
لماذا يعاملونني هكذا ؟! فأنا إنسان كامل مثلهم، صغير نعم، ولكن أعرف جيداً أن لدي رؤى ومخاوف وتطلعات ورغبات تشعرني بالسعادة وأود تحقيقها، وهؤلاء الأغيار الذين أحبهم لا يمتلكون غير التوجيه والتعديل والامتعاض وأدوات للعقاب، ونادراً ما يرتضون بتصرفاتي، ثم كبرت وأخذت مكانهم، حتماً سأكون مراعياً لكل هذه الحيثيات، هههههه.
عندما يكبر الإنسان ينسى تماماً كيف كان صغيراً ، كيف كانت مخاوفه ورغباته وتطلعاته وإحساسه بالاستقلالية، يشعر فقط بخوفه على أطفاله وبرغبته في أن يكونوا ناجحين ومثاليين، برغم أنه ذاته يمكن أن يكون نموذجاً مثالياً للفشل والخذلان، ولكنه سيوجِه ويُعدِّل دائماً على سلوك أطفاله، وسيرفض معظم رغباتهم وتطلعاتهم وتصرفاتهم، وسيُنزِل بهم العقاب، مادياً كان أو معنوياً، عن قصد أو بغير، إذن هي معركة، لن يفوز فيها الكبار إلا إذا تذكروا كيف كانوا وهم صغار، ويعاملوا أطفالهم من منطلق الاستقلالية واحترام الآخر وإن كانوا صغار، وليس من منطلق (أنت ومالك لأبيك)، حين يتحقق ذلك حتماً ستفوز الأسرة وتنعم بالهدوء والتفاهم، يااااارب.

- وهذا الكتاب يُعد مساهمة معتبرة في تحقيق هذا الهدف، وفيما يلي أهم النقاط التي لخصتها من قراءتي..

- استخدام الثناء يرسخ الأفعال الطيبة التي يقوم بها الأطفال ويحفزهم على المزيد، ويجب أن يكون الثناء حقيقياً غير مفتعلاً، ينصب على السلوك بوضوح ويعطي الطفل المسئولية عن أفعاله، يخلوا من أي تهكم أو مقارنة بالآخرين، مليء بالاهتمام والانتباه الإيجابي.

- محاولة مراعاة قدرات الطفل التي توجه له المهام، فإن كانت مهاماً كبيرة فجزئها له، وتابعه في كل جزء ينجزه واعطه اهتمامك، وإن كانت مهاماً صعبة فلا مانع من مساعدتك له بالجزء الذي يرسخ لديه روح التعاون ولا يقع به في شرك التواكل والتهاون.

- استخدام التجاهل الواعي في أوقات كثيرة يغيّر من سلوكيات الطفل للأفضل، وهناك فرق بين عدم الانتباه والتجاهل الواعي، وهذا الأخير أداة جيدة في مقابل حاجة الطفل الدائمة للاهتمام والانتباه، فعندما يفعل سلوك ما لا يعجبك وتتجاهله فإنك تعلن له عدم رضائك عن هذا السلوك، ولكن لهذا التجاهل ضوابط فلا يجب أن يستمر هذا التجاهل لمدة طويلة ويجب أن يكون محكوم بفترة وعي الطفل بأن سلوكه هذا غير لائق وغير مستوجب الاهتمام فيبدأ في تغييره ليحصل على اهتمام والديه مرة أخرى، ويجب في هذه الحالة فوراً الثناء على سلوك الطفل الذي غيره لأجل انتباهك، غير أن التجاهل الواعي يحتاج لتدريب دائم حتى لا يتحول إلى عدم انتباه بالمرة فيستمر الطفل في سلوكه الخاطئ، ويحتاج كذلك لهدوء وحيادية حتى لا ينتهي بصراخ الوالدين نتيجة كبت مشاعرهم خلال فترات التجاهل عندما يكونوا مضغوطين أو غير واعيين لأداة التجاهل وهذا الصراخ والانفعال ليس حزماً وإنما باباً واسعاً للعنف الأسري.


- وهذا يقودنا إلى فرق أخر بين الحزم والانفعال، فالإنفعال المتواصل والصوت العالي في أغلب الأوقات هما الركيزتان الأساسيتان اللتان يولدان العنف ويرسخانه في عقل الأطفال لأن الطفل سيعي أن تلك هي الطريقة الأمثل في التعامل مع الأمور، لذلك على الوالدان أن يحاولا دائماً ضبط إنفعالاتهم والتحدث بهدوء وإيضاح الفكرة، وهذا سيعزز أمر آخر في غاية الأهمية لدى الأطفال وهو إبراز (التفكير) دائماً كأداة فعالة لحل المشكلات أو تجاوز العقبات التي تواجههم.

- التعاون سلوك إيجابي يجعل التعامل داخل الأسرة سلس من غير مشادات، مما يحقق الهدوء والسلام لفترات طويلة، ولترسخ سلوك التعاون مع طفلك لابد أن تستخدم الأدوات التالية:
أولاً: إعطاء الطفل حق الاختيار ، بأن تقدم له خيارين للأمر التي تريده فإذا اختار أحدهما فاثن على اختياره واشكره وإذا اقترح هو خياراً ثالثاً فاقبله إن كان فعالاً أو مقارب للهدف.
ثانياً: إعطاءه قليلاً من الوقت قبل أن تلزمه بفعل معين ، فإن هذا الاستعداد يعين الطفل كثيراً على تقبل هذا الفعل،  فإذا حان وقت النوم ومازال طفلك يشاهد التلفزيون فاخبره بأن لديه عشر دقائق قبل يذهب للنوم.
ثالثاً: استخدام المفاوضات وعقد الاتفاقات المشروطة ، بأن تقايضه على ميزة يحبها وينشدها في مقابل قيامه بفعل ما، ولكن مع الحذر من الوقوع في شرك الابتزاز، فالهدف الأسمى هو ضبط سلوك الطفل وليس قيادته وحمله على الطاعة الصماء.
# قراءتي التالية المُكملة لهذه الكتاب يمشيئة الله ستكون حول (كتاب أسئلة حرجة لـ عبد الرزاق نوفل) ليكون ذلك محور آخر جديد لمحاور قراءاتي وهو (محور القراءات التربوية).

الاثنين، 16 أبريل 2018

الفتاة الأفغانية


الفتاة الأفغانية
(السحرُ كما ينبغي أن يكون)




-        شربات جولا ؛ فتاة أفغانية مات عنها والداها في قصف سوفييتي في ثمانينيات القرن العشرين ، ارتحلت بصحبة من تبقى من أقاربها في صقيع الشتاء إلى مخيم بباكستان الملاصقة لبلدها ، ملاصقة في الحدود ، مطابقة في البؤس ، في عام 1984 كانت تبلغ حينها اثنتي عشر عاماً.
 
-   التقُطَت لها صورة على يد مصور شبكة ناشيونال جيوغرافيك ستيف ماكوري ، ووضعت صورتها على غلاف المجلة الشهيرة ، صورة ساحرة ، عيناها خضراوان متحديتان عميقتان ، شعر منسدل تحت وشاح أحمر قاني محروقة أطرافه ، وجه شاحب به بعض الندوب.

-     يقوم المصور الصحفي بعد سبعة عشر عاماً بالبحث عنها مدعوماً بشكل رسمي من المجلة ، فالفتاة الأفغانية على مدار هذه السنين قد اشتهرت وذاع صيتها بقدر الغموض الذي يحيط بها وبمصيرها ، في الفيلم الوثائقي الذي يرصد عملية البحث هذه ، يرجع المصور إلى ذات المخيم ويلتقط صورة أخرى لفتاة أخرى تبلغ بالكاد عشرة أعوام ، وجهها يملؤه ذات السحر والعمق والغموض ، ثم يصل المصور أخيراً إلى ضالته ويقابل عائلة الفتاة الأفغانية ، ويعرف مآلها ، ويخبرها بأنها لطالما كانت مشهورة وتغزوا صورتها العالم ، سترى في وجهها رغم التقدم في السن ذات السحر والعُمق والتحدي مغلل بالقيود.

-       أخبرته هي أنها وعائلتها لم يشاهدوا الصورة مطلقاً ، وأنها حتى صورتها الوحيدة ، لم تتصور قبلها أو بعدها ، وأنها تتمنى أن يتعلم أبناءها ، وتتمنى في نهاية الفيلم من الشعب الأمريكي (حسب الراوية) مساعدة بلدها أفغانستان جراء ما شهدته من تخريب.





-       انتهى الفيلم الوثائقي بأن صورة الفتاة الأفغانية ظلت تمثل معاناة الشعب الأفغاني ، وإذا بحثت في اليوتيوب ستجد لها فيديو آخر من البي بي سي تقول فيه أن الحكومة الباكستانية قد اعتقلتها لدخولها البلاد بأوراق مزورة ثم مات عنها زوجها وإبنتها الكبرى بسبب المرض وأنها تتمنى تأسيس منظمة للعلاج المجاني.


-       هذه قصتها على الإجمال ، أما أنا فقد ألمت بي بعض خواطر بشأن هذه الفتاة ، منها مثلاً أنه عندما استخدمت كلمة سحر لوصفها ، كنت ولازلت أشعر حقاً بكل معنى للكلمة ، سحر يأسرك حين تواجه عيناها فلا تجد منهما خلاصاً وكأنها أفعى تبث الخوف في عيني فأر حتى تفتك به.

-       شبهتها لحيني بالأفعى ، وأشعر بالذنب ، أفكر بماذا كانت تفكر هذه الفتاة وهي تنظر في قلب الكاميرا ..؟
كيف حصلت على هذه الندبات ..؟
كيف احترق وشاحها داخل المخيم ..؟
كيف بكت والداها وهي ترتحل لاجئة إلى باكستان ، أمن الجحيم يرتحل الناس إلى جحيم ..؟
هل واجهت زوجها بذات العينين وهي في الثالثة عشر من عمرها أم خذلتاها ..؟
بماذا شعرت حينما علمت بعد سبعة عشر عاماً أنها مشهورة ويتم البحث عنها ..؟
هل قالتها فعلاً .. أنها تتمنى على الشعب الأمريكي مساعدة بلادها ..؟ وما مصير الفتاة الأخرى التي التقُطَت لها صورة في ذات المخيم ..؟
في عيني فتاة تعلمت أن نصف العالم يتغذى على النصف الآخر.





الأحد، 15 أبريل 2018

مفارقات


مفارقات 
المقاربة والتحقيق ، الإجمال والتخصيص.





جيل محظوظ ومنحوس ، كل جيل يرى في حياته القصيرة نسبياً علامات وخطوب يرى معها أنه محظوظ أو منحوس بمعايشتها ، حياة لها ما لها وعليها ما عليها.

أنا من جيل الثمانينات ، كنت محظوظاً بأني لعبت في الشارع مع أقران السوء ، ووقعت في الترعة ، والتحقت بالكُتّاب (كُتّاب الشيخ عبد الودود) ، في عهدي الأول كنت طفلاً يرتاد المساجد ، فكنت أحفظ ما تيسر لي من القرآن ، وتعتاد مسامعي على باقي آياته ، (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ..).

في أول أيامي في المرحلة الابتدائية كنت أعاني بشدة بسبب الإنفصال عن أمي لأذهب إلى جحيم يُطلقون عليه المدرسة ، ندخل الفصل المكدس ولا تزال عيني تبحث عن أمي لا يشغلني عن ذلك أي نشاط ، حتى أن (الأبلة) – وهو المسمى الذي كنا نطلقه على (المُعلِمة) – حين عَرفَتنا بنفسها (فاطمة) نَطقَتهُ (فَطْمَة) فحسبتها تقول (فضة) وحين ذهبت للبيت وسألتني أمي عن أسم مُعلمتي ، قلت لها بحكم الشتات اسمها (أبله دهب) ، اللفظ العربي واضح جداً ومُحَقَق ، بينما لغُتنُا مليئة بالمقاربات ، وبديهي جداً أن يتحول لفظ (أبلة) المفخمة إلى (أبلة) المرققة للدلالة على (الراقصة) ، وكذلك (المُعلمة) إلى (المْعلِمة) للدلالة على (الراقصة) أيضاً ، ولذلك لم أرتكب جُرماً عندما استحالت (أبلة فاطمة) على يدي إلى (أبلة دهب) ، لم أحقق فقاربت فحرفت.




(أبلة دهب) في أولى الحصص حاولت تحديد المستويات الاجتماعية والعقلية لتلاميذها ، عبر عدة أسئلة من قبيل ..
-         كل واحد يقول أبوه بيشتغل إيه ؟ (تذكروا فيلم لا مؤاخذة)
-         مين منكم يعرف الألوان ؟
-         بنصطاد إيه من البحر ؟
-         طيب ممكن السما تفيدنا بإيه ؟ يالا ياشُطار إيه إللي بينزل من السما ؟
وفي هذا السؤال الأخير ، حاولت جاهداً أن أنسى أمي التي اتضح لي أنها لن تأتيني لتأخذني من الفصل إلى البيت ، فحاولت الإندماج مع زملائي الملاعين في الترنيمة الشهيرة التي تصاحبها طرقعة الأصابع (أنا يا أبلة ، أنا يا أبلة ...)
-         إيه ده بطلت نواح ، قول يا إيهاب ، إيه اللي بينزل من السما ؟
= (وأنزلنا من السماء رزقاً لكم)
-         رزقاً لكم !! ، لا فالح ، السما بينزل منها المطر.

سبحان الله يا أبلة دهب ، دعي هذا الملعون الصغير يمارس الإجمال ، ففي الإجمال كل الجمال ، تذكرت هذه المفارقات وأنا أقرأ كتاب الفتنة الكبرى لدكتور طه حسين ، وهو يؤكد أن عُمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فهم المقصود القرآني والنهج النبوي القائم على الإجمال (إجمال لقيم الحق والخير والعدل) فأقام على أساسها خلافته ، حتى في التخصيص منها ، عطل أحكاماً واتخذ دواويناً ونظماً غير عربية ، فأغلق بـ (الإجمال والتخصيص) على المُسلمين أبواباً كثيرة للفتنة.