الأحد، 14 نوفمبر 2010

الإنسان والحياة ( الغرض والكيفية )



عفواً أيها الإنسان !! .. أنت لست محور الأكوان ، ولسنا مركزاً تدور من أجلنا الأفلاك، بل ندور معها فى ذات المسار هي لم تخلق عبثاً ونحن لم نخلق سدى ، ومن هنا يجب أن نتخلص من أوهامنا ونتحد مع الكون فى غايته وحينها نشعر حتماً بالسعادة.

.

خلق الله الكون بقدر ولغايه يعلمها عز وجل ووضع الناموس ( القوانين الحاكمة ) لحفظ خلقه وخلق الإنسان فى أحسن صورة ونفخ فيه من روحه ووهبه معجزة العقل والتفكر والتي حمل معها الإنسان الأمانة – أمانة الحياة والعيش – وسخر له من كل شئ بقدر علم الإنسان بأحكامها وأنزل الوحي على المختارين من خلقه لكي يعرف سائر الناس الغرض من وجودهم على الأرض وهو عبادة الله الخالق العظيم وإعمار الأرض بالحفاظ على مواردها والإرتقاء بالجنس البشري.

.

تلك النظرة الشمولية لحياة الإنسان وما حوله من عوالم كان لابد أن تظل ثابتة وبارزة لأنها تحمل في طياتها الكثير ، أما عن الكيفية التي يمارسون بها بنو البشر نعمة الحياة ستضح فيما آل إليه الحال .. من حروب على شطري الزمان والمكان ، وما إستتبعه الأمر من تفكك للطبيعة ومواردها واستنزافها على مرأى العيان والأسماع ، وحنق وغل وفقر ويأس متفشي لا يعبر إلا عن فقدان للهدف من الحياة – ومتى فقدت الهدف فافعل ما شئت فأنت حل من أى إتجاه أو منهج – وهناك من يعي الهدف من الحياة وهم أفراد إما منعزلة أو تجدها غارقة في جموع المشتتين درباً ( وهم الطبقة الآخذة ) وصفة الأخذ تتجلى فى السلوك الفردي والسياسات الحاكمة.

.

وإن علت أصوات لحث المجتمعات على الإمتثال لنداء الطبيعة وتلبية الحاجة إلى التناغم التي يقتضيه بالضرورة إنجاز مهمة إعمار الأرض بالعطاء والأخذ ، فلا تجني إلا الصمت والتجاهل ثماراً ، ولكن يبقى الأمل في أن تزداد العقول صفاءاً بزيادة الواعين لهدف ومعنى الحياة فى مقابل الغارقين في كدر المادة.

.

معنى الحياة

عبادة الله فطرة إنسانية بإختلاف أشكالها ومناهجها فالله خالق كل شئ - ولا يجد الإنسان مفر من عبادة من يسبح لعظمته كل شئ – فتجد من البشر من ينكرون وجود الخالق بإثبات صيرورة الخلق صدفة ، يقدسون على أثرها جمال الطبيعة فحين ترتد الطبيعة عن جمالها لن يتبقى لهؤلاء إلا خالقها يهتدون إليه أو يرفضون الحياة فيسيرون إليه مقبورين ، وتجد أيضاً المؤمنين بالله كل حسب عقيدته ولكنهم حين يفقدون الصورة الشمولية من الحياة يرتدون هم بوجوههم عن جمال الطبيعة وتناغم الحياة.

ويواجه الإنسان في كيفيته لممارسة الحياة - ثلاث إشكاليات :

1. العمل :

- الطبيعة البشرية لا تمهل الإنسان إختياراً بديلاً عن العمل حيث يستطيع الإنسان معه الإعتماد على النفس لتوفير قوت يومه التي يحتاجوه للعيش

- ولكن يحظى الإنسان بالسعادة والنجاح فقط فى إطار العمل حين يضع الصورة الشمولية وهدفه من الحياة نصب عينية فيهتدي حينها لرغبته في عمل يستطيع معه أن يخدم المجتمع البشري من حوله ولا يعتدي به على الطبيعة وأن يمارسه بإتقان

2. التعامل مع باقي أفراد المجتمع :

- جدير بالذكر أن ما آل إليه الحال في إطار العلاقات بين الأفراد فى المجتمع الواحد أو بين المجتمعات المختلفة ينطوي علي إشارة واضحة لفقدان معنى وهدف الحياة

- وأصل العلاقة الحقيقة بين الأفراد تكمن في المعرفة الأكيدة لحاجة كل فرد لباقي الأفراد وأن الإنسان لا يستطيع النجاة إلا بوجوده فى إطار مجتمعي يلبي حاجاته ويستوعب معه أن يكون مساهماً في تلبيه إحتياجات الأخرين

3. الحب والزواج :

- الحقيقة الواضحة أن الجنس البشري يتكون من ذكر وأنثى وكلاهما إنسان ، ويحتاج كل منهما الأخر بشكل أساسي للتكاثر والحفاظ على النسل البشري

- إلا أن ذلك ليس هو الرابط الوحيد بين الذكر والأنثى التي يستقيم معه الحياة ، فمثلما يحتاج كل فرد إلى باقي أفراد المجتمع للحياة بشكل عام فإنه يحتاج إلى فرد بعينه من الجنس الآخر بشكل خاص يكون سكن لنفسه الروحية ويكون هو سكن الآخر بالمقابل ( عطاءاً وأخذاً )

.

في حين أن الإنسان إذا ما فقد الهدف من وجودة على الأرض تختل معه نظرته للحياة ويقع في شرك الإشكاليات السابقة ويفقد إدراكة لمفهومها الصحيح فيفقد الإتجاه ويصبح لا يعبأ إلا بالأخذ وتلبيه إحتياجاته هو بشكل شخصي ( وكذلك على إطار المجتمعات ) فتختل معه قوانين الطبيعة ويصبح فى كدر من العيش لإنه فقير بما يأخذ ضعيف بما يستحوذ عليه بالقوة.

.

التحديات العصرية لمواجهة الحياة طبقا لمفهومها الشامل

· إحترام العقل والروح :

- يجب على كل إنسان أن يولي إهتمامة أولا بالعقل والعلم ، ولكن ليس فى الإطار المادي والسباق الجامح الذي لا يسير إلا فى ركاب الفكر الآخذ وإنما بالعقل الإنساني والعلوم بشكل مجرد موجه للبشرية بأجمعها.

- خلقنا الله من روحه وأودعها أجسامنا نحيد بها عن طبائعها النورانية سعياً وراء المادة الفوضوية وعلينا من أجل إنقاذ وجودنا أن نرقى بأرواحنا عن دنس الأخذ والظلم والتعامل معها بنقاء خلقها وحصاد عجائب إعجازها التي توارى عنا بعدم إدراكنا لمكنون النفس البشرية.

· التخلص من الأوهام :

- تراكمت لدى الإنسانية أوهاماً أودت به إلى فقدان الهوية الإنسانية ذاتها وتلك الأوهام تتخفى في مصطلحات مقبولة ولكنها تنطوي على خديعة لمفهوم الحياة

1. السيطرة :

وهم أن يكون الإنسان مسيطراً على كل ما حولة يتخفى داخل حلية تشعر الإنسان بالإطمئنان فهو إذ سيطر على مجريات الأمور في حياتة فسيقود قدره ومسيرته الحياتية بشكل مدروس ومخطط له إلى نهاية سعيدة

وتنطوي خديعة السيطرة حينما يقوده طمعه على التحكم فى الطبيعة ذاتها وتختفي من روحه قوانين التناغم فينقلب كل عمله عليه

2. الرغبة في التكاثر دون الحاجة :

لم يصبح الإنسان يقنع بما يسد حاجته وإنما أصبحت رغبته فى الإكثار من جمع كل ما يستطيع جمعه دون النظر إلى حاجته الفعليه وإكتفاءه منها ، ودون النظر إلى حاجات الأخرين ، بل ومن حاجات الطبيعة ذاتها

وقد مر زمن على أقوام كانت لا تزرع إلا ما تقتات به ولا تصيد إلا ما تحتاجه فعلا ، فتكتمل معها الدورة الحياتيه للفصائل ولا تختل من تحت أقدامهم الطبيعة

3. إحترام الآخر:

يجب أن يسود الحب تعاملات الإنسان مع الآخر والحب يتجلى هنا فى إحترام مقدسات الآخر وإحترامنا لحياته وتفكيره وخصوصيته وأهميته ، كما نظن في أنفسنا ذات الأحقية ونفس القدسية.

ويجب أن يتعدى هذا الحب تعاملنا مع الكائنات الآخرى لإنها ضرورية ولها قدسيتها ، وبما أننا لسنا مركز الكون فلم لا نتخيل أنفسنا كائنات أقل درجة من كائنات تعلونا وتعاملنا بما نعامل به الطبيعة من حولنا.

.

ربما يتضح المفهوم العام والهدف المشترك من وجودنا على كوكب الأرض ، وتحظى المجتمعات بسعادة السعي وراء ذلك الهدف.


الجمعة، 5 نوفمبر 2010

شيخ المحققين ( محمود شاكر )

(شيخ المحققين)

أبي فهر محمود شاكر

--

ربما ترددت قليلاً قبل أن أكتب ما أعرفه عن شيخ المحققين محمود شاكر خوفاً ألا أوفيه حقه ، ولكني عزمت فإن لم تنجح كلماتي في وضعه مكانته التي يستحق فيوفيه إعزازي وتقديري لشخصه وعلمه وإنتاجه الغزير وعلى نهج التذوق الذي إبتكره وسماه .. أتذوق سيرته المحمودة

--

هو أبي فهر الشيخ محمود محمد شاكر أحمد عبد القادر من أسرة أبي علياء من أشراف جرجا بصعيد مصر ، وينتهي نسبه إلى الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما ، ولد فى الأسكندرية في عاشوراء محرم الموافق 1 فبراير 1909 ثم إنتقل مع والده إلى القاهرة

--

وفي بداية حياته كان محمود شاكر مفتوناً باللغة الإنجليزية فأهمل العربية حتى رسب فى الشهادة الإبتدائية وفي سنة الإعادة تبدل الحال وانتقل ولعه للغة العربية وازداد تقديرة للكلمة – وتأثر أكبر تأثير بالإمام المرصفي "من علماء الأزهر" "ومصطفى صادق الرافعي" – وفي مرحلة الجامعة نشب خلاف بينه وبين أستاذه "طه حسين" على رأي الأخير فى أن الشعر الجاهلي ملفق وكاذب ، ولم يستطع محمود شاكر أن يبوح بكل ما بداخلة من أن مقولة طه حسين لم تكن إلا إقتباساً بالحرف لإراء المستشرق الإنجليزي مرجليوت ، فترك على أثرها الجامعة غير آسف عليها وهاجر إلى الحجاز وأنشاء بها مدرسة ثم عاد إلى القاهرة

--

إعتكف أثر رجوعه إلى القاهرة عامين على دراسة كتب التراث والشعر واختلط بأعلام الأدب وكانت تلك الفترة التي نفذ فيها ما أسماه بمنهج التذوق حيث أنه عاود قراءة التراث القديم بكل نواحية إبتداءاً من تفاسير وعلوم القرآن والحديث وما يتفرع عنهم من علوم إلى الشعر العربي والتاريخ وغيره بذات المنهج وهو التدقيق والتحقق من كل كلمة ومحاولة تذوقها والوصول إلى خفايا الكلم حتى تفتحت لديه ملكات عجب لها ورضي عنها .

--

وكان كتاب المتنبي بمنهجة الجديد المتميز بالبحث الجدي بمثابة الحصى التي حركت المياه الراكدة بداخلة وفي الوسط الأدبي حيث أنه اهتدى إلى أقوال لم يهتدي لها أحد من قبله عن المتنبي والتي اهتدى لها بأسلوبه في تزوقه للشعر – ولاقى هذا الكتاب تأييد وإعجاب الكثيرين ، وبالرغم من ذلك فإن الثناء التي لاقاه الكتاب لم يعجب محمود شاكر وقد شعر معه بسطحية تناول النقاد للآدب بشكل عام.

--

إعتلى الشيخ محمود شاكر قمة تحقيق التراث العربي ، وتتميز أعماله جميعها بالدقة والجد والإتقان ، وله في فى هذا المجال طبيعة اختص بها فلا يستخدم الألفاظ المتعارف عليا كتحقيق محمود شاكر وإنما يستخدم مصطلح قرأه وعلق عليه .. وإن كان تعقيب الدكتور محمود الربيعي يعزي هذا المنهاج إلى خبرة وعمق محمود شاكر - التي تجعله بمثابة المحرر للعمل لأنه متى حققه فإنه يورد الكتاب قيمة فعلية فى الإتجاه التي سار إليها – فإنه في رأيي تواضع العلماء الذي يكتفي فيها بطرح رؤيته دون التأثير على المؤلف الأصلي للعمل مادام العمل مكتمل الأركان التي يستوفيها علم التحقيق

--

دخل الشيخ محمود شاكر السجن مرتين أولهما لمناصرته الثورة وتحقيق العدل الإجتماعي والإصلاح الزراعي والثانية عام 1965 بتهمة إثارته للفتنه الدينية بمقالاته أباطيل وأسمار وحقيقة الأمر أن كتاباته تخالف الزعم بإثارة الفتنة الدينية إلا أن إشاراته لمسيحية لويس عوض كانت المدخل لإلصاق هذه التهمة به.

--

وكان صراعة مع لويس عوض من أكبر الصراعات في حياته حيث لم يكن مع لويس عوض بشخصه وإنما مع تيار بأسره يريد أعلاء الحضارة الغربية ودحر كل ماهو عربي وإسلامي ، ولويس عوض عرف بدعوته إلى العامية والكيد للغة الفصحى وكان الشيخ محمود شاكر له بالمرصاد في أراءة من خلال مقالاته وكتاب أباطيل وأسمار الذي يفند فيه إدعاءات لويس عوض.

--

كان لمحمود شاكر إنجاز آخر كبير في فكرة إنشاء جمعية الشبان المسلمين مع إبن خالته الدكتور " عبد السلام محمد هارون " مؤلف أول كتاب عربي في فن التحقيق وهو كتاب تحقيق النصوص ونشرها وكانت فكرة إنشاء الجمعية مناهضة لفكر جمعية الشبان المسيحية التي كانت تروج للأفكار التي تطعن فى الدين الإسلامي.

--

كان بيت الشيخ ملتقى عامر دائماً بطالبي العلم ومحضري الدراسات العليا وكان يعينهم في دراساتهم ، وإن كان في بعض الأحيان لازع اللسان في الانتقاد والغضب والثورة إلا أنه يتوارى وراء ذلك الوجه روحاً مسامحة ومنصفة وكان إذ ينتقد تلاميذة في حضورهم فإنه يستميت فى مناصرتهم حال غيابهم.

--

توفى الشيخ محمود شاكر في شهر أغسطس 1997 وشيعه عدد من محبيه تاركاً الساحة لخلفاؤه متمنياً من يسير على دربه في إعلاء الحق والعمل بمقتضي حسن وإحقاق الفضائل الأدبية والأخلاقية


--

* المراجــع : 1. صفحة أبي فهر محمود شاكر على ويكيبيديا الموسوعة الحرة

2. رسالة ماجيستير الطالبة / محاسن أحمد مولوي قربان ، جامعة أم القرى

* ملحوظة : التلخيص لا يعد بحثاً وعليه فإن معظم المادة العلمية الواردة فيه واردة نقلاً وإقتباساً،والمراد منها إجمال الفائدة للتذكرة وليس لأغراض النشر - وفوق كل ذي علم عليم

* مع حفظ كافة حقوق الملكية الفكرية - الخاص بالمادة العلمية أو الصور أو الروابط المرفقة بالنص - لأصحابها



تحقيق التراث ( كتب ومخطوطات )

--

على مر الزمن قد يواري التاريخ أكثر مما يوثق ، وكثير من الحقائق التاريخية إذا ما أمعنت النظر فيها تجدها تنضح بعكس ما يطرحة التاريخ الذي لم يخل من التزوير لإعتبارات عديدة تخص المؤرخين ، ومن هنا تأتي أهمية التحقيق الذي تطمئن معه القلوب فى نقل التراث والمعارف القديمة ولا سيما بأن التحقيق ذاته فطرة إنسانية ومنه إتقان العلم والعمل وآمانة النقل.

--

ولم يكن يعنيني – فى مرحلة ما من حياتي – في كتاب غير عنوانه وموضوعه ، ضارباً بعرض الحائط إسم المؤلف ومصداقيته أو المترجم وجدارته وحتى حواشيه وفهارسه ، غير أن القدر أهداني ما أحب وآسعى ففُرض علي دراسة كتاب عن القانون المدني وما إن شرعت فى تصفح الكتاب حتى وجدته لا يرقى إلى مصاف ملازم الأرصفة حيث وجدته خالى من أى حواشي أو فهارس وكاد يخلوا من المتن ذاته لولا الملامة التي قد تقع على الدكتور مؤلف الكتاب الذي يعلم الله كيف تعامل مع المادة العلمية المطروحة فى الكتاب ، فهو نموذج للكتاب المبتور.

--

فعلمت حينها معنى أن تقرأ كتاباً حقيقياً بكل ما تشملة قواعد التأليف والنشر ، ودائماً ما كانت تواجهني ألفاظ تُزيلْ غُلاف الكتاب كــ " كتاب محقق " أو " تحقيق وتعليق .." وخصوصاً فى المواد المقارنة والتراثية فشرعت فى البحث عن أصول علم التحقيق التراثي - على قدر رغبتي فى المعرفة - فاهتديت إلى مصدر هام فى هذا المجال وهو كتاب تحقيق النصوص ونشرها للدكتور/ عبد السلام محمد هارون ويعد أول كتاب عربي وضع فى فن التحقيق ومنه إستقيت تلخيصي.

--

تحقيق النصوص *

--

التحقيق إصطلاحاً هو تحري الحقيقة والصدق وفي مجال تحقيق التراث هو بذل عناية خاصة بالمخطوطات حتى يمكن التثبت من إستيفائها لشروط معينة وتمر عملية التحقيق بمراحل عديدة نوجزها فى التالي .. وورد في رسائل الجاحظ عن التحقيق أنه لم يخل زمن من الأزمان الذاهية إلا وكان فيه علماء محققون قرءوا كتب من تقدمهم ودارسوا أهلها

--

تحقيق العنوان :

تحقيق العنوان ليس بالهين وخصوصاً أن بعض المخطوطات تأتي خالية من العنوان إما لفقد الورقة الأولى منها أو إنطماسها أو لتزييفها .. فيعمل المحقق أولاً إعمال فكرة ومطالعة كتب المؤلفات أو كتب التراجم ثم البحث عن إقتباس من نصوص الكتاب مضمنة فى كتاب أخر وأن تكون لديه الخبرة فى دراية إسلوب المؤلف ، وتكون تلك المحاولات بمثابة الخيط الأول للوصول لحقيقة العنوان.

--

تحقيق اسم المؤلف ونسب المخطوط إليه :

عمل المحقق يشبه عمل عالم الأثار فكلاهما يعيدا تجسيد الأزمان والسمة التي تشوب عملهما هي الحذر والدقة والتحقق الشديد من أدنى التفاصيل فى كل خطوة من خطوات البحث ، وعليه فإن مجرد كتابة اسم مؤلف على مخطوطة ما ليس كافي بالقدر الذي يطمئن معه المحقق أن الكتاب ينسب لإسم المؤلف وخصوصاً فى الأعمال الخاملة التي ليست لها شهرة أو روابط ذكر .

وأهم أداة تستخدم فى نسب الكتاب لإسم مؤلفة هي دراسة الإعتبارات التاريخية المواتية لفترة حياة المؤلف والموضوع ، حيث يمكن أن تجد فى الكتاب أخباراً تاريخية تالية لعصر مؤلفه ويكون ذلك جدير بإسقاط اسم المؤلف عن المخطوطة.

--

تحقيق المتنْ :

وتحقيق المتن هو أن يؤدي الكتاب أداءاً صادقاً كما وضعه مؤلفة وذلك ليس معناه نهائياً بإن نحل كلمة محل الأخرى حتى لو كانت كلتاهما صحيح أو أن يخطئ الكتاب في عبارة نحوية فيصححة المحقق – فلا يقع تحقيق المتن تحسيناً أو تصحيحاً إنما هو أمانة الأداء والتأريخ.

وإذا كان المحقق موسوماً بالجرأة في بحثه فأجدر به أن يتنحى عنه لغيرة ممن يتسم بالإشفاق والحذر فلابد أن يتسم المحقق بصفتين هما الأمانة والصبر ، وقد يقال كيف لنا أن نترك الخطأ يشيع ..؟! والجواب هم إن فطن المحقق لخطأ ما فى الكتاب فلينبه عليه فى الحاشية ( الهامش ) وبذلك يحقق الأمانة ويؤدي واجب العلم فى آن.

وتلك القاعدة تستثنى منها الشواهد القرآنية فلابد أن توضع فى نصابها وقد كشف الدكتور عبد السلام محمد هارون فى تحقيقه كتاب الحيوان للجاحظ تحريفات كثيرة لم يستطع معها الإ أن يردها لأصلها ، وكذلك فى كتاب الجواري للجاحظ وفي مخطوطات تهذيب اللغة للأزهري ومخطوطات كتاب سيبويه – واختبار النصوص القرآنية لا يكفي فيه الرجوع إلى المصحف المتداول بل لابد من الرجوع إلى كتب القراءات والتفاسير.

--

مقدمات تحقيق المتن :

- أولاً : التمرس بقراءة النسخة حيث أن القراءة الخاطئة لا تُنتج إلا خطأ وخصوصاً فى المخطوطات التي ينقصها النقط والإعجام وتلك التي كتبت بالخطوط المغربية أو الأندلسية ، ويجب على المحقق مدارسة الإختصارات جيداً ومصادرها مثل ( ثنا ) وهي إختصار حدثنا وإختلاف الإختصار ذاته في مختلف البقاع

- ثانيأ : التمرس بإسلوب المؤلف وأدنى صورة منه هي أن يقرأ المحقق المخطوطة مرة تلو الأخرى ، وأقصى صور التمرس هي أن يتحصل المحقق على أكبر قدر ممكن من كتب المؤلف ويقرأها كلها ويتدارس أسلوبه وتطوره.

- ثالثاً : الإلمام بموضوع الكتاب وذلك حتى يفهم المحقق النص فهماً سليماً بشكل مترابط ويتم ذلك بدراسة الكتب التي تعالج ذات الموضوع

--

ويجب على المحقق دراسة مفاهيم أساسية وآليات لا يكتمل التحقيق بدونها مثل التصحيف والتحريف وأساليبه ورده للأصل ، وكذلك المؤتلف والمختلف وهي الكتب الموضوعه لمقاومة آفة التحريف والتزييف

معالجة النصوص :

وفى إطار معالجة النصوص يعتمد المحقق على ترجيح الروايات وذلك من أجل تحري الزيادات والنواقص فى مختلف النسخ للمخطوطة ، وتصحيح الأخطاء بما تقتضيه أمانة النقل والتنبيه عليها فى الحواشي ، وكذلك الضبط بأن ينقل المتن بضبط النص الأصلي دون تغيير أو سهو ، والتعليق بما تحويه المخطوطات التراثية من معارف قديمة تحتاج الى توضيح ليخفف بها غموض الأعلام والبلدان والمعارف دون إهمال أو إسهاب.

--

والخلاصة أن علم تحقيق النصوص يحتاج إلى مصابرة ويقظة علمية وسخاء في الجهد الذي لا يضن على الكلمة الواحدة أو ضبطها يوماً كاملاً أو أياماً معدودات ، وعليه فيستحق المحقق زاخر الشكر والعرفان على ما يقدمة للبشرية من إحياء وتجسيد زمن بائد.

* المرجــع : كتاب تحقيق النصوص ونشرها للدكتور عبد السلام محمد هارون – أول كتاب عربي وضع فى فن التحقيق ويمكن تحميله من هذا الرابط http://www.4shared.com/get/hpUVAW4d/_____.html

* ملحوظة : التلخيص لا يعد بحثاً وعليه فإن معظم المادة العلمية الواردة فيه واردة نقلاً وليس إقتباساً ، والمراد منه إجمال الفائدة للتذكرة وليس لأغراض النشر - وفوق كل ذي علم عليم

* مع حفظ كافة حقوق الملكية الفكرية - الخاص بالمادة العلمية أو الصور المرفقة بالنص - لأصحابها