الاثنين، 13 ديسمبر 2010

مصر ما قبل الفتح الإسلامي (602 - 631)م

مِصرُ ما قبْل الفَتح الإسلامي

(منذ عام 602 وحتى عام 631 ميلادية)


هرقل عظيم الروم


· فى مُستهَل القرن السابع عشر كانت مِصرُ - ومُنذ مَجمع خلقيدونية(1) وعلى خلفية ما سبقه من مَجامع - تضمر بداخلها المآسي والصراعات بعض أحيان وتموج بالثورات أحياناً أخرى والتي يصعُب فَصل الطبيعة الدينية فيها عن السياسية والإجتماعية ، وصَادف هذا المَسلَك العام في القِبط ْ (أهل مصر) إضمحلال الإمبراطورية البيزنَطية والتي إزدادت وتيرة زوالها بما إشتُهر به الإمبراطور (فوكاس) والتي بدأ حكمه (602) ميلادية بظلم في الحُكمْ وفساد في الخُلقْ والخِلقة وما ألحقه بمصر وأهلها من ظلم جائر وإجبارهم على إعتناق المذاهب الملَكانية (التابعه للقصر الملكي) وإستنزافُه للأسكندرية حيث مزارع القمح والفواكه ومَدرة الأموال والخمور على الإمبراطورية.



· وفيما كانت مصر تَموج بمثل هذه الثورات كان (هرقل) - وهو المحارب الفَتيْ المولود لأبيه الملقب بهرقل الأكبر والذي كان قائد الجيوش الرومانية في حربها مع الفرس - يتهيأ مع صديقه ووكيله (نيقتاس) بتدبير ثورة تتطيح بحكم الإمبراطور البيزنطي وما كان السبيل لذلك إلا بفتح مصر ، ورسما سوياً بدأ هذه الثورة من إقليم بنطابوليس أو بمسماه العربي (برقة في ليبيا حالياً) ، على أن يسلُك نيقتاس الساحل ليصل إلى الإسكندرية ويستولي عليها فتضعف بذلك شوكة الإمبراطورية في الوقت الذي يصل فيه هرقل إلى القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية فيطيح بحكم فوكاس ، ولاقت هذه الثورة ترحيباً في الأسكندرية أملاً في تخليصهم من عذاب فوكاس بإستثناء بعض المقاومات المواليه لحكم فوكاس والتي تغلب عليها نيقتاس مُعتلياً بهذا حكم مصر في الوقت الذي انتصر فيه هرقل على فوكاس وتقلد بذلك مقاليد الدولة البيزنطية عام (610) (2) ، وقد ذُكر فيما ذُكر وهو الأمر العجيب أن هرقل قد تردد في بادئ الأمر في لبس التاج إلى أن أتم ذلك وفق التقاليد الكنسية.



· وفي ظِلْ هذا الحُكم الجديد أصبح نيقتاس حاكماً على مصر وبمثابة نائباً لهرقل فيها ، وكانت مصر من حيث الإدارة موضوعة على الجملة في أيدي بيزنطية لا سبيل من الأقباط إليها ، وعلى الإطار المُجتمَعي كانت الإسكندرية شاقة في الإدارة حيث كانت تعمر بمختلف الأجناس من القبط والإغريق واليهود والعرب والسوريين وغيرهم من الأجناس وكان الأقباط في أسفل هذا السلم الطبقي ويرجع هذا الهوان إلى بدايات القرن الأول الميلادي وما لاقوه من تعذيب وإضطهاد من البطالمة الوثنيين مروراً بالإغريق ووصولاً إلى البيزنطيين المسيحيين ولكنهم على عقيدة مخالفة لعقيدة الأقباط المصريين ، وكان أهلها على العموم يتميزون بالعصبية لمعتقداتهم المجردة وكانوا على الإستعداد للفداء بأرواحهم وأرواح غيرهم في سبيل التعصب لفروق طفيفة في المُعتقَد الواحد ، وبشئ من التفصيل كانت المسيحية في مصر هذا الوقت منقسمة لحزبين الأول هو حزب اليعاقبة (الأقباط) والثاني هم الملكانيين (الرومان التابعين للمذهب الملكي) وكان كل منهم يسعى جاهداً لمحوا آثار الفريق الأخر من القلوب ، وبرغم ما شهدته القبط في بداية حكم هرقل ونيقتاس من محاولة الرفق بعقائدهم ومحاولة التقريب بين المذهبين - لاستمالة قلوب المصريين وتسهيل الحكم فيها - إلا أنه كان هناك دائماً ما يكنه كل فريق للآخر وخصوصاً في ظل رُجحان الكفة مُعظم الوقت لصالح المَلكانيين حزب الإمبراطور.



· وعلى الجهة الأخرى كانت الفُرسْ - تحت إمرة كِسرى الفُرس (خسرو بن هرمز) - هي النِدْ لقوة الروم في ذلك الوقت تَسوق قواتها لغزو الشام بقيادة القائد (شاه- ورز) وأنزلت ما أنزلته بالمسيحيين في بيت المقدس من عذاب وهوان ، وكان ذلك في السنة الخامسة من حكم هرقل أي حوالي عام (615) (3) ، ومن نجا بحياته من هذا البطش نزل لاجئاً إلى القرى المسيحية في بلاد العرب وكان النصيب الأكبر من إستقبال هذا اللجوء للإسكندرية (مصر) حيث لاقوا كل ترحيب ويذكر التاريخ في هذا العهد الفضل الذي آبداه مُطران الأسكندرية الملكاني (حنا الرحوم) - والذي يعد قديساً في نظر المسيحيين يعاقبه وملكانيين - في العناية باللاجئين إلى أن إستتب الأمر وعاد بعضهم إلى بيت المقدس وإختلط البعض الآخر في النسيج السكندري.



· ولما أتم الفتحْ الفارسي لبيت المَقدِس مُراده بدأت حَملة أخرى بقيادة قائد فارسي يسمى (شاهين) التحرك لفتح مصر عام (617) وكان مَسلكهم يبدأ من العريش ثم السير بمحاذاة وادي النيل إلى الأسكندرية ولم يَلقوا في طَريقهم هذا ثَمة عَناء إلا أن الأمر بدأ يَزخم ضَجراً عند حِصار الإسكندرية بما لها من أسواراَ حصينة التي أقامها الإسكندر الأكبر بوصاية معلمه أرسطو عند بناء المدينة ، وطال حِصار الفُرس عند هذه النقطة الأمر الذي أضرم في قلوبهم الحقد والشقاء فأضرموا النار في الأرياف القريبة من الأسكندرية وأنزلوا البأس بالكنائس والأديرة بإستثناء ما يَبعُد مِنها عن المدينة ، وفيما كانت الأسكندرية يُظاهِرها البحر في مواجهة الفُرس ويأتيها من خلاله المَدد عن طريق الروم المُسيطرين عليه كلياً ، فقد تَسلَل الفُرس بهدايه أحد الخونه الى إحدى المداخل التجارية ضعيفة الحراسة وتملكوا أمر الأسكندرية ، واشتد ما أزاقوه لأهلها من عذاب وتنكيل الأمر الذي اِضطر معه نيقتاس - الحاكم البيزنطي على مصر - الى الهرب برغم ما عُرف عنه من شجاعة في الحرب وصحبه في الهرب المطران الملكاني حنا الرحوم ، وكان ذلك في عام (618) وأخذ الفُرس في المَسير نزولاً حتى صَعيد مصر ، وهنا تجدُر الإشارة إلى جَحدْ الزعم بترحيب الأقباط للفُرس التي كانت لا تزل أيديهم مُلطخه بدماء مَسيحيي بيت المقدس والشام اللاجئين اليهم وبما نَزل بهم شخصياً على أيدي جنود الفرس.



· لبث الفُرس في حُكم مصر على الإجمال عَشرْ سِنين تقريباً – حتى (628) - منهم ثلاث أعوام تمهيداً وترسيخاً لحكمهم في طول مصر وعرضها وما جاورها من أمصار ، وإستقر حال من بقى من الأقباط وغيرهم تحت السيادة الجديدة تحاول أن تدواي الجراح الغائرة التي ألمت بها إثر هذا الإستبدال ، ولم يَردِ عن حُكم الفرس لمصر فى تلك الفتره الكثير إلا أن المعلوم أنهم لم يكونوا من القوة في أمر دينهم - أو ربما بسبب مسلكهم المقارب للإعتدال وقت السلم – وأنهم لم يستطيعوا إجبار الأقباط على إعتناق عبادة النار ، ولم يبقى من آثارهم في تلك الفترة في مصر سوى القليل من تماثيل (ميثرا)(4) الموضوعة فى المتحف المصري وما بناه (السلار) أي الأمير الفارسي وهي قلعة (طراوس) أو قلعة الفرس شرق الأسكندرية ولم أهتدي إلى ثمة معلومات عنها حالياً.



· وفي الوقت الذي إشتدت فيه غَلبة الفرس بفَتحهم الشام ومصر وما حولها ، باءت فيه مُعظم مُحاولات هرقل للصُلح وإزدادت خسارته الإقتصادية بإنقطاع الجزية والمحاصيل التي كانت تأتيه من الأسكندرية وفَترت هِمة جُنده الحربية ، إلا أنه ومع مشيئة الأقدار إستنهض هرقل الجند وجمع الأموال من الكنائس وأعد العُدة لملاقاة الفُرس (وساعده في ذلك أن الفُرس لم تكُن لهم سيادة على حَرب البحر ولم يُدركوا فنها كما أدركه الروم وكما أدركته العرب من بعد و قبل إنقضاء هذا القرن ، ولو تعلم الفرس هذا الفن وإستفادوا من ميناء الأسكندرية لسيطروا على الأقاليم المُطلة على البحر المتوسط ولنَفَذوا إلى قلب دولة الروم ومن هنا إنقلبت الموازين لصالح الروم مرة أخرى) وصلى لله ليُظهره على عَدوُه وبدأ مَسيرته لإسترداد كرامة الروم والمسيحية من الفرس في عام (622) (5) وأخذ ينزل البأس بالفُرس في كل موقعة تجَمعهُما من أول إنطاكية وخلقيدونية على أطراف الشام وحتى جلاء الفرس نهائياً عن الأسكندرية عام (627) بعدما إنحسر ملكهم عنها ولاقوا الهزائم تباعاً ومات كسرى عام (628) وإستعاد هرقل مُلكة وَقدره.



· وفي عام (629) قَصد هرقل بيت المقدس حاجاً مُظفراً بالصليب المُقدس التي إستعاده من إيدي الفرس ليودعه بيت المقدس وتمت مراسم إعلاء الصليب التي تقام إلى الأن في الكنيستين الشرقية والغربية ، وأخذت شمس هرقل تتوسط كبد السماء كونه فارس الصليب ، وفي هفوه سياسية إنتقامية أخذ في إبادة اليهود في أنحاء مملكته إنتقاماً منهم على تعذيبهم المسيحيين ومساعدتهم للفرس ، وأجلى من بقى منهم هرباً خارج القدس ، وإشترك (الأقباط) في تلك التصفية عام (630) بما لاقوه من غدر اليهود والتنكيل بهم في الأسكندرية عند غزو الفرس ، ثم بدأ هرقل في إعداد إقرار توفيقي بين المذاهب المسيحية القبطية والملكانية بأن لا يخوض المسيحيين أبداً في طبيعة المسيح مع إقرارهم بإن له إرادة واحدة وائتَمن على ذلك المذهب قساوسه تابعين له في المنهاج وكان ذلك سبب تنصيب (قيرس) - المعروف عربياً بـ (المقوقس) أي المبجل أو الحاكم – على مُطرانية الأسكندرية وكان ذلك عام (631).



· وعاصرت تلك الفترة الدعوة العالمية للإسلام وإرسال الرسول صلى الله عليه وسلم الكتب لملوك العالم للدخول في الإسلام ، وتلك مرحلة إنتقالية هامة في تاريخ مصر حيث أنها تربط العقلية القبطية البيزنطية قبل الفتح العربي مع الصبغة الإسلامية العربية التي صاحبتها منذ الفتح وحتى الأن ، ومن ثم فلنا معها بحث ودراسة.


شخصيات المرحلة


· (فوكاس) إمبراطور بيزنطي تولى الحكم من 602 وحتى 610 ميلادية ، وكان حكمه ظالم جائر وسقط إثر ثورة هرقل عليه.

· (هرقــل) الإمبراطور الثائر على حكم فوكاس وحكم من 610 وحتى 641 ميلادية تاريخ الفتح الإسلامي ، وتخلل حكمه غزو الفرس للشام ومصر ، ثم إنتصر على الفرس ، وكان يعرف عنه أنه فارس شجاع ، وكان يميل إلى التوفيق بين الذاهب المسيحية ، كما شابته إنحرافات سياسية وأخلاقية ، وعاصر دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ثم إنتهى حكمه بالفتح الإسلامي.

· (نيقتاس) نائب هرقل في حكم مصر وهرب عند غزو الفرس لمصر.

· (حنا الرحوم) المطران الملكاني في الأسكندرية التابع للقصر الملكي البيزنطي وكان عطوفاً يساعد كل المحتاجين ويعد قديساً عند المسيحيين ، وهو من أصل قُبرصي ويطلق عليه في مصر الأن القديس يوحنا الرحيم ، وهرب مع نيقتاس عند غزو الفرس لمصر.

· (خسرو بن هرمز) كسرى الثاني : ملك الدولة الساسانية (الفرس) من 590 وحتى 628 ، فتح الشام ومصر في عهد هرقل ، وعاصر دعوه الرسول صلى الله عليه وسلم ، واستولى على الحكم بقتل أبيه ، وقُتل هو على يد إبنه.


آثار ومعالم المرحلة

· تماثيل إله الفرس (ميثرا) منذ الفتح الفارسي لمصر عام 618 ميلادية إلى 627 ميلادية – والموضوعة في المتحف المصري.

· خرائب الكنائس والأديرة التي إجتاحتها جيوش الفرس عند فتح مصر والموجودة في برج العرب فى الإسكندرية


صور الشخصيات والمعالم



___________________________
(1) مجمع خلقيدونية المسكوني (العالمي) الرابع المُنعقِدْ عام 451 ميلادية ، إهم آثاره إنفصال الكنيسة القبطية (المصرية) عن الكنيسة الغربية (الرومانية) لإعتراض الأولى على الهرطقات (البدع) التي تثار بشأن طبيعة المسيح وتمسكها بالطبيعة الواحدة اللاهوتية للمسيح.

(2) تزامن هذا الحدث – ترسيم هرقل ملكاً على الدولة البيزنطية – عام 610 ميلادية بدأ بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وهو في الأربعين من عمره بمكة.

(3) تزامن هذا الغزو عام 615 ميلادية مع دعوة رسول الإسلام صلي الله عليه وسلم وفيما كان وأصحابه يفضلون ظهور الروم (من أهل الكتاب) على الفرس (أهل الأوثان) نزلت الأية الكريمة بنبوءة إنتصار الروم بعد بضع سنين (غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ) من سورة الروم.

(4) (ميثرا) هو الإله الحامي للفرس ويعرف بأنه وسيط بين الإله (أهورامازدا) إله الخير والإله (أهريمان) إله الشر في الثيولوجيا (اللاهوتية) الفارسية ، وكان الإله (ميثرا) واسع الإنتشار في العصور القديمة وكان جمع كبير من ملوك الروم يعبدونه ويحضون على عبادته برغم عدائهم مع الفرس ، وفيما ينقل أنه يُعرف في العربية بإسم (ميهرا) ومنها اشتقت الكلمة العربية مهرجان إى الإحتقال بالإله (ميهرا).

(5) تزامن هذه الحدث – إسترداد هرقل مُلكه من الفرس – عام 622 ميلادية هجره الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة في أواخر السنة الثانية عشر من البعثة المحمدية عام 610 ميلادية.



المراجع:

· كتاب فتح العرب لمصر – سلسلة صفحات من تاريخ مصر – تأليف ألفريد ج بتلر في عام 1902 ، ترجمة وتعريب محمد فريد أبو حديد بك ، الطبعة الثانية 1996.

· قصة فتح مصر – من القبطية إلى الإسلام – تأليف حامد سليمان ، إيداع 1988.

· فتح مصر ، د.جمال عبد الهادي ، جامعة أم القرى ، إيداع 1999.

· بعض الأبحاث عن الأماكن والأشخاص في ويكيبيديا ، والبحث عن الصور من محرك البحث جوجل



ملحوظات:

· الموضوع عبارة عن تلخيص شخصي ومنهجية ذاتية في البحث والإطلاع ، تحريت فيها الدقة قدر المستطاع ، مع حفظ حقوق الملكية الفكرية عن الصيغة المستخدمة فى التلخيص والتنسيق ، وحفظ حقوق الملكية للصور الواردة في الموضوع لأصحابها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق