الجمعة، 3 ديسمبر 2010

المهاتما غاندي ( نبي بلا وحي )


دون إهمال أو إسهاب هو موهنداس كرمشاند غاندي والملقب بالمهاتما (القديس) غاندي ، ولد في عام 1869 وتوفى عام 1948 ، لأب وأم هندوسيين من طائفة شديدة المحافظة وكان لأمه كبير الأثر في زرع روح الطهر وسبل الحق في قلب الطفل ، وكان غاندي متمسكاً إلى أبعد الحدود بالإنصياع إلى أوامر الكبار وإحترامهم جم إحترم وخصوصاً حينما يتعلق الأمر بوالديه وعائلته ومعلميه ، تزوج وهو فى الثالثة عشر من عمره ، ثم انتقل إلى بريطانيا وتلقى فيها دراسة القانون وحصل على إجازة المحاماة وعاد أدراجه إلى الهند ثم إلى جنوب إفريقيا - مهد كفاحه المديد - ثم إلى الهند مرة أخرى متوجاً بالألقاب والمكانة المرموقة.
-

ولا شك أن تلك الحقبة التي شهدت حياة غاندي كانت عصيبة على الهند كمثيلاتها من الأمم التي كانت تتسارع على إستنزافها الدول العظمي ، كما أن الهند بطبيعة الحال ماكانت لِعُمرها - بإستثناء ما قد يدْخِرهُ التاريخ - أُمة واحدة بالمعنى التي تُحققة كثيراً من الدول حيث أنها تَحوى تَشكيلاً مُختلفاً من الأعراق والديانات واللُغات وخُصوصاً حين تَترامى أراضيها وطبقاتها على إتساع رقِعتها ، وكان لذلك كبير الأثر أن تكون النزعة الروحية والدينية هيا الملجأ الذي تُحمى من أجلهِ الألسِنة وتُلهبْ فى سبيلة العقول وما تتصِف به من سُبة التمييز الطبقي.

-
(الساتياجراها)
وضع غاندي نصبْ عينيه في مراحل حياته المختلفة إتباع الحق والمحبة طريقاً وإتخذهما دِيناً قبل إن تَكتمل مَعرفته حتى بالإله ولم يحيد عنهما طالما حيا إلا بالقدر الذي اسِتتبعهُ تدارك مرحلة وإْتباعها تطور عقائدي بالتقويم أو التثبيت وهو ما أشار إليه بأن هذا الحياد إن تم فيكون لمجرد إختلال الطريقة وليست لعيب فى الهدف والمبدأ ، ولما كان غاندي قد أصبح روح الهند التي تكالبت حولها القلوب والعقول بالإسترشاد والإتباع حتى رد لها ضالتها وكان سبيله إلى ذلك هي الحركة التي أطلق عليها ( الساتياجراها ) أو المقاومة المُنزهه عن كل عُنف ومعناها القوة المُنبعثة من الحق والخير ، وهي الحركة التي جاوزته جميع مِحنهِ فى الحياه وكانت قرينته في كل كفاح يخوضه ، ويرى غاندي أنها تختلف عما يُطلقه عليها منتقديها من مصطلح ( المقاومة السلبية ) حيث يرى أنها تعتمد بالمقام الأول على القوة المُنبعثة من الأفراد فى التصدي لكافة المظالم التي يتعرضون إليها بضبط النفس ( أهمسا ) فى مراحل العصيان المدني الخالي من أي شغب أو عنف ، بل وأن القوة التي تتوهج من المحبة التي يكنها الفرد لكل الكائنات الحية جديرة بأن ترد تلك المظالم عنه.
-
وإن حاز غاندي في حياته أو من بعدها على كل تقدير وإحترام فإن ذلك مردْهُ أنه وهب حياته وكامل أدواته وأصبحت بشكل أو بأخر موقوفه للناس على إختلاف ألوانهم وأجناسهم ودياناتهم طالما إحتاجوه أو إرتأى هو أنهم يحتاجوا إلى حِثه لهم والوقوف بجانبهم لدرء المظالم عنهم ، ولم يتأتى هذا الأسلوب من فراغ أو تقلد مآسي الناس كزعامة إصلاحية وإنما بإتباع الحق في مواجهة الصعوبات التي تتقدم كل كفاح يخوضه من أجل الناس ويُحمَد كل الحمد في روح غاندي سمتين شكلتا مسيرة حياته الأولى أنه يجوب الأقطار ذهاباً وإيابا طالما تداعى إلى سمعه محنة قوم من الفقراء أو مظلمة من عمال أو فلاحين ، يستقر بينهم يتدارس ويحقق ظروف محنتهم ويستجلى الحق فيها ثم يهب مطالباً مكافحاً مسالماً غير مبال بأي مصالح شخصية ولا يضن عليهم بوقت أو جهد ـــ والسمة الثانية أنه في كفاحة يركز كل طاقاته على أن يصبح هو ككيان بشري النموذج الذي يخطف عقول وسلوك أتباعه فلا يأمرهم بطريق إلا أن يكون أول منتهجيه حتى يصبح القدوة ، ويرى في هذا الشأن أن لكل ساعٍ للإصلاح لابد أن يكون على قدر كبير من الإلتزام والصبر وخصوصاً لأن أول منتقديه ومثبطي عزائمة سيكون من أتباعه قبل أنداده.
-
ويعزى لسلوك وتفكير غاندي في طريق كفاحه إنشاء نماذج رائعة (فى أماكن مختلفة في جنوب إفريقيا والهند كمزارع تولستوي وفينكس) لمجتمعات تقوم على الإكتفاء الذاتي في جميع النواحي الإنتاجية والصناعية والتربوية كانت عبارة عن مزارع أو مأوى لجموع المُعتصمين ، وكانت تلك النماذج خير معين له في طريق الكفاح والإعتصامات المدنية وصب روح الإكتفاء في قلوب أتباعه والأجيال القادمة من أولاده وأولادهم ، والإعتماد على النفس ، ولقى في هذه المجتمعات التربة الخصبة لزرع بذور المواطنه وعدم التفريق الطبقي أو الديني بين أفرادها وكانت فرصته لرفض مبدأ إقصاء المنبوذين التي كان يعتبرها سُبة في جبين التقاليد الهندية
-

(مواقف حياتيه)

· رغم نشأة غاندي على روح الحق التي ثبت عليها طوال حياته إلا أنه حظي في مقتبل العمر ببعض الإنحرافات والتي يرى أن الله كان له الفضل في أن ينتشله من الإستمرار فيها ( حيث أن الإنسان لا يستطيع أن ينكر أن الله يهيئ لعباده سبلاً - دون إدراك منهم - لخلاصهم من موبقات تَلم بهم وتعيدهم أدراجهم لطريق الحق ) ، لازم غاندي صديق سوء صاحبه فترة طفولته - رغم نصح والديه له بالإبتعاد عنه ورفضه ذلك بحجة محاولة إصلاح ذلك الصديق – وعلى إثر تلك الصداقة عمد غاندي طوال سنة كاملة على أكل اللحوم وهو الأمر المنبوذ طبقاً لمعتقدات طائفته - إيماناً منه أن تفوق الشباب الإنجليزي كان بسبب أكلهم اللحوم - ولم تكن البشاعة في أكل اللحم فقط وخصوصاً أنه لم يتناوله إلا ستة مرات تقريباً خلال السنة ولكن البشاعة في إنتهاجه الكذب على والديه خلال تلك الفتره ، ثم مر بمحاولة تدخين السجائر لمدة ستة أشهر في مهده ولجأ في تلك الفتره إلى تدخين بعض الحشائش التي لها ذات التأثير لضيق يديه عن الإتيان بثمن السجائر ، ثم قاده إلحاح صديقه إلى بيت من بيوت الدعر ولكن الله أنقذه من هذه التجربة بسلام حيث لم يحظى في هذه الليله إلا بوابل من السباب ورمته الفتاه خارج غرفتها بعد إنكماشه في أحد أركان الغرفه ، ورغم وفاء غاندي لزوجته وثبات إخلاصه دون إحتمال للشك إلا أنه دخل هذه التجربه من إحدى أبواب الشيطان ، وكان نادم لها أشد الندم كما واجهتهه مشكلة أخرى مع زوجته في تلك المرحلة فقد كانت غيرته عليها دون سبب واضح مبعثاً لأن ينصب نفسه سجاناً عليها ومعلماً لها دون إدراك منه أنها مساوية له في جميع الحقوق والإختيارات وليست سجينته ، وبملمح طفولي كان يشعر بالخزي أمامها لأمر كان يطيح بقلبه وهو خوفه من الظلام وإحساسه بالأفاعي والأشباح تحيط به كلما وجدت ظُلمة من حوله رغم أن زوجته ما كانت لتهتم بأن تخرج بمفردها في أي وقت من الليل متحديه بذلك كافة المخاطر – وكانت تلك مجمل الإنحرافات التي وقع فيها غاندي في مرحلة تكوين شخصيته وهو ما ندم عليه أشد الندم بعد ذلك وكانت كفارته في هذا الأمر إدراكه بأن تلك الإنحرافات لم تفيده ولم يعرف لها أي ميزة سوى أنها كانت دافعه له على العدول عنها وإنتهاج الحق والخير في حياته المطله أمامه.
-

· عمد غاندي بعد ذلك إلى تحري الصدق في جميع أقواله وأفعاله وعندما لازم والده الفراش سَخرْ غاندي نفسه خادماً وممرضاً لآلامه وتعلم وهو بجوار والده - مستمعاً إلى الأحاديث الدائرة بينه وبين زواره - إحترام جميع الأديان وإحترام الكيان الإنساني رغم إختلاف الأجناس والمعتقدات ، وإن كان إيمانه بالله في هذه المرحلة لم يكن عن وعي وإدراك كامل بل بأن الأخلاق هي منبع كل شئ وأن الحق هو منبع الأخلاق وتعمق إيمانه وأصبح ملازماً للصيام كلما إشتد عليه حال وعرف أن صغار الآثام كأكبرها وأن طريق الفضيلة حقيقة مجردة منزهه عن أي لهو.
-
· بعد أن توفى والده أخذ بنصيحة قريب له بأن مستقبله سيكون أفضل عندما يدرس في بريطانيا وطمأن غاندي والدته بأنه سيكون محافظاً على كل عهود الحق التي عاهدها عليها ، غير أنه كان عليه أن يواجه كبير طائفته الذي رفض فكرة السفر من أساسها ولأي سبب كانت حيث تنهاهم معتقداتهم عن ذلك وأنه بسفره سيعصى أوامر الطائفة ويصبح من المنبوذين هو وكل من عاونه في سفره – غير أنه حان الأن أول كفاح لغاندي عندما كان رده هادئ الوتيره كطباعه ويتضمن ثقة في قراره وإحترامه كذلك للكبار قائلاً لكبيرالطائفة أنني في شأن سفري ودراستي في الخارج لا أملك من أمري شيئاً ومن رأيي أنه لا ينبغي لك أو للطائفة أن تتدخل في هذه المسألة.
-
· سافر غاندي إلى لندن والتحق بكلية الحقوق بإحدى جامعاتها وكان أخوه الأكبر هو من تلقى عبئ توفير الأموال اللازمة لذلك ، فكان وضوح الهدف أمام غاندي في سفره هو الأداة القوية لمعالجة وتذليل كافة الصعاب التي واجهها في دراسته – وكانت نباتيته دائماً مصدر إحراج له في جميع المناسبات وإختلاف العادات والتقاليد وصعوبة الدراسة من أكبر المعوقات ، وكان يحاول في بداية هذه المرحلة أن يصبح جينتلماناً إنجليزياً ليتماشى مع مقدرات المرحلة فأخذ يتعلم الرقص والموسيقى ، غير أنه بعد ذلك بدأ يستجلي هدفه من الحياة وأصبح يحيا بمنتهى البساطة وعلى مبدأ الإكتفاء بالقليل وكان ذلك يوفر له الوقت والجهد والتركيز ، وكان خجله الشديد في هذه المراحل درعه الواقي فكان قليل الكلام وفي هذا جم الإفادة من أنه يجعل المرء ينطق بعد تفكير وإمعان وأن الإسراف فى الحديث يحيد بصاحبه عن الحق ويقوده إلى المبالغة ومضيعة الوقت والجهد – معترفاً أنه في أى مرحلة كانت إذا ما جاوز الإنسان الحق والصدق فلابد أن يستلهم شجاعته ويستجمع نفسه من الخداع والكذب ويرجع إلى الطريق القويم.
-


-

· عاد غاندي إلى الهند ووجد نفسه محامياً يسعى ليتقاضى أضعاف ما يتقاضاه زملاؤة المحليين إلا أنه واجه مشكلة جادة وهي أنه لم يدرس القانون الهندي ولم يعرف أي شئ عن سير العمل في مختلف جهات القضاء ، وكانت أولي تجاربة في العمل كمحامي مُخزية أدت به الى الخروج مهرولاً من قاعة المحكمة بعد أن سخر القاضي منه ورد أتعابه إلى الموكل وطلب منه توكيل غيره ولم يعرف غاندي الطريق الذي سيسلكه في مقتبل حياته العملية إلا أن جاءته فرصة ليسافر إلى جنوب إفريقيا ليتابع سير العمل علي قضية مقامه لأحد كبار التجار الهنود هناك ولم يتردد وسافر دون أن يدري ماذا سيعمل تحديداً لإنجاز مهمته.

-

· واجه غاندي في رحلته إلى جنوب إفريقياً ثم إلى مختلف المقاطعات هناك ألواناً عديدة من التفرقة العنصرية والمواقف المهينة لكل هندي وخصوصاً فيما إشتهر به الهنود في ذلك الوقت من حط كرامة بعضهم مقابل جني الأموال ، وكان دائم المطالبة بحقه في المعاملة الموقرة وعدم التعدي عليه بدعوى أنه ملون (هندي) ، ولكنه في هذا الشأن كان يحاول دائماً الإلتفات عن كل تلك الإهانات ليصل إلى مسعاه من الإحترام والتقدير عازماً عن عدم إتخاذ أى إجراءات قانونية تجاه المُعتدين عليه من قبيل السلام الداخلي ولأن تلك الإجراءات كانت لن تؤتي ثماراً في هذا الشأن ، حتى أنه في العمل المنوط به أداؤه في جنوب إفريقيا فقد عمل على إنهاؤه تحكيماً بين الطرفين ، مُعتبراً أن عمل المحامي لن يجانب الحق والصواب إلا بعد أن يبذل كافة المساعي لحل النزاعات ودياً دون اللجوء للمحاكم معتبراً ان حتى مثل هذا السبيل لن يضيره على صعيد المادة بل سيضيف إليه قلب وروح نقية ، ونجح عمله في جنوب إفريقيا وحاز على ذلك كل التقدير.

-

· وفي مجال العلاقات والصداقات لم يكن غاندي يحزن أو يغضب من المحاولات العديدة التي حاولها معه أصدقاؤه المسيحيين ليؤمن بالمسيح شفيعاً له مخلصاً للبشرية وأنه لا سبيل لدخول الجنه إلى بتقبُله هذا المعتنق الديني – وكذلك حاول المسلمون وغيرهم من الأصدقاء – ولم يكن غاندي في هذا الوقت يعرف حتى عن الهندوسية ذاتها الكثير ، فَحمد لأصقاؤه هذا المسعى وإستغل شَغفهُ في التعرف أكثر على الهندوسية وكافة الديانات التي كان يحترمها جميعاً لأنها تَحُض على الحق والخير ، بل يرى أنه من واجب كل مؤمن أى يدرس الديانات الأخرى ويأخذ منها ما يتفق وعقيدته وكثيراً ما سيجد إتفاقاً ويتجنب ما تنهاه عقيدته فيصبح بذلك مؤمناً قوياً في إيمانه متبصراً بعقائد غيره محترماً لها وخصوصاً أن الديانات جميعها في أصلها مردها إلى الخالق العظيم.

-

· إلا أن غاندي لم يغادر جنوب إفريقيا فور إنتهاؤه من عمله وذلك إذعاناً منه لرغبات العمال الهنود الذين طلبوا منه الوقوف بجانبهم في مآسيهم ومظالمهم ولم يضن عليهم بوقته وجهده وبدأت مسيرة كفاحة في جنوب إفريقيا وبدأت شهرته على صعيد الكفاح السلمي والإعتصامات المدنية تتسع وتترامى أطرافها وكان غاندي في هذا الشأن يعتمد إعتماداً أساسياً على مبدأ البساطة في الحياة وأخذ يعتمد على ذاته ويميل إلى العمل اليدوي لتحقيق الإكتفاء في مختلف النواحي حتى أصبح قدوة لجميع أتباعه.

-

-

· وفي فتره ما تفشى فيها الطاعون وسط الجاليه الهندية أخذ غاندي يُكثِف كفاحه ومساعيه موقناً أنه بقدر ما كان يجب عليه رفع المظالم والمطالبه بحقوقهم بقدر ما كان يجب عليه والإخرين إبراء أنفسهم من المساوئ والأدران التي تحتل نفوسهم وعاداتهم وكان ذلك فيما إشتهر به الهنود من قلة إهتماماتهم بنظافة بيوتهم وبعض العادات السيئة ، ورأى في هذا المسعى أن المُصلِح لن يسلم في كفاحة من الصد والعناء وربما الإضطهاد ولذلك فعليهم دائماً أن يتحلوا بالحق والعزيمة والصبر طالما كان إلاصلاح هذا لوجه الله والإنسانية وسوف يؤتي صبره وعناؤه خيراً بعد ذلك.

-

· وعندما حان الوقت لعودته إلى الهند - بعد قِسط لا بأس به من الإصلاحات في الأحوال المعيشية والقوانين التي تنطبق على الجاليات المضطهده – إنعقدت المؤتمرات لتوديعه وجمعوا له كميات من الذهب والفضة والأموال شكراً لمساعيه ، إلا أنه تقبلها بقلب سقيم فليست الأموال هي الجزاء من خدمة الناس وليس هذا ما يُربي عليه أهل بيته ، وفي الوقت الذي يزداد فيه حاله بساطة على بساطة ويستغنى هو وأهله عن كماليات الحياة لن يكون من السهل رفض تلك الهدايا ولن يكون في مقدوره كذلك قبولها فأودع تلك الهدايا في ودائع إستثمارية وأوصى بها بعض زعماء الجاليات ليستوثقوا من خدمة الجاليات من ريعها ، وفي هذا الشأن خاض جدال كبير مع زوجته التي كانت تعارضه التصرف إلى أن إقتنعت برأيه قانعه بما لديهم من سُبل الزهد ثم عادوا إلى الهند.

-

· وبالمخالفة لمقدرات عصرنا الحالي كان موهنداس غاندي فائق الإستعداد والقدرة على التفاعل والتأثر والمشاركة في أي محنة تخص مجموعة من الناس وكانت عزيمته قوية في التنقل وعدم الإستقرار في مكان إلا بالقدر الذي يرعى فيه مصالح الناس ويرد إليهم حقوقهم عن طريق الكفاح السلمي ، ورأى أنه في سبيل تحقيق الكفاح السلمي المنزه عن أي عنف لابد أن يعيش الناس حد الكفاف والإكتفاء الذاتي فأخذ ينشئ نماذج لتجمعات إنسانية تكون معيناً لهم في التصدي لظالميهم دون اللجوء إلى إستجداء المساعدات من القادرين ، وكان يميل إلى تعلُم الحِرفْ اليدوية - حيث يرى أن الآلات تَستعبد الإنسان وأن عليه صنع كل ما يحتاج إليه بيديه - واللجوء إلى حياة التبتل والزهد عن مشتهيات الحياة.

-

-

· وتعرضت حركته السلمية لإنتقادات لازعة بأنها لا تجدي نفعاً كونها سلبية ، وإن كنت أرى ناقداً أن الساتياجراها تعتمد في المقام الأول على إستجداء روح العطف والحنو في القلوب الظالمة وأن هذا لا يرد مظالم بل أن غاندي تعرض في كثير من المواقف في كفاحه إلى توريط نفسه وأتباعه في قسوه تضاف إلى الظلم الواقع عليهم مسبقاً وأن الحركة السلمية لابد لها - بجانب الإكتفاء الذاتي والكفاف الذي إتبعه غاندي – من قوة وعزيمة تُرَدْ بها المظالم ، غير أن غاندي يرى أن حركته تُجبر الظالم بشكل سلمي على الرفق بالمظلوم لما بها من القوة المنبعثة من الحق التي تؤتي ثمارها إذا ما إهتدى اليها الإنسان عن طريق الحق وخلوه من أي كراهية حتى تجاه المعتدين ، وجدير بالذكر أن دعوة الساتياجراها دعوه تستحق الإشادة وإن كانت لا تُقبل كلها ولا تُرفض كلها ، ويرى عباس محمود العقاد أن الساتياجراها يمكن أن تكون تطرف في السلم ( فالعدوان ممنوع ورد العدوان حق والصفح عند المقدرة جائز وهو أقرب إلى الخير ) وهو ما تميز به التشريع الإسلامي كوسط بين نقيضين.

-

· وكان غاندي يؤمن بتناسخ الأرواح كما هو وارد في الديانات البرهمية إلا أنه كان يعارض عقيدة التأيُمْ ( حرق الزوجة مع زوجها المتوفي ) وهو ما لاقى عنه إعتراضات شديدة في أوساط المتعصبين للبرهمية – وكان يعزي قوله أنه لوجب بصحة ذلك المُعتقد حرق الزوج مع زوجته المتوفاه ، وكان يرى أنه من الأصلح أن تتخلص الهند من عادة زواج الأطفال ويرى في الزواج ذاته علاقة روحية لابد أن تتخلص من أدران العلاقات الجسدية (الموكشا) إلا بغرض النسل ، وكان ذلك يستحيل على قلوب الشباب من متبعيه وإن كان لم يقل في نظرهم بل أعدوه من مرتبه الأنبياء المُخلصين لدعواهم – وأرى بطبيعة الحال إختلافاً شديداً مع تلك الرؤيا ومضمون الإختلاف يرجع إلى أسباب عقائدية ، ويكفيني معها نقده بشأن الإعتقاد بها وليس لإغفاله حقه ونقاؤه في كثير من المناحي الأخرى وخصوصاُ السعى وراء الروح في مقابل المادة ، وإذا كانت لغاندي متناقضات كثيرة ذُكرت في أكثر من موضع فأن مرد تلك المتناقضات كلها إلى النفس البشرية وإن كانت تصبوا إلى التطهر .

-

-

· وهكذا كان غاندي يرقى إلى مرتبه النبوه في قلوب البراهمة الهنود وغيرهم من جميع الطبقات والأديان فصار قديساً غير مشكوك في إخلاص دعوته إلى إتباع الحق والإلتفات عن موبقات التمييز بين الهندوس والمسلمين وهي من كبرى مشكلات الهند في ذلك الوقت ، وإن كان لابد للإنسان من سياسة للنبذ فلابد ان تكون لنبذ كافة سُبلْ التفريق والظلم والإعتداء على حقوق الآخرين وسلبهم مكانتهم بغض النظر عن جنسهم أو معتقداتهم ، وتحمل في نشر هذه الدعوة طوال حياته جميع الأخطار التي حَدْقت به ومن معه وسجن على آثر كفاحة هذا أكثر من مرة ، وكان نموذج جلي على إمكانيه ممارسة السياسة من خلال أخلاق الدين أو المثل العليا وإحقاق الحق وتحري الخير
-


-

(مصرعه)

وفي شهر فبراير من عام (1948) إمتدت يد شاب من المُتعصبين الهندوس بمِعول الشر إلى إزهاق روح غاندي وهو متوجه إلى الصلاه متوكأ على حفيدتيه ، وكفى بأي إنسان شراً بأن يضمر نية قتل بداخلة فما بالك بان يكون القتيل غاندي وكان ذلك إثر إستهجان غاندي للمجازر التي أحدثها الهندوس بالمسلمين عقب جلاء القوات البريطانية على مرأى من الشرطة والحكومة الهندية ، ونذر غاندي الصوم حتى الممات إن لم ترجع للمسلمين حقوقهم التي سُلبت منهم وكفْ الأذى عنهم وأنه لو توجس المسلمون شراً بمثل تلك الحكومة وأقاموا دولة إسلامية (باكستان) موازية للهند فيكون لهم كل العذر إنصافاً لما لاقوه من أهوال ، وهكذا كان المشهد الأخير من حياة موهنداس كرمشاند غاندي والتي لم يحيا خلالها إلى بملازمة الحق أينما وجد ومهما سيواجه في سبيل تحقيقه.



-

http://www.youtube.com/watch?v=HCbWH0TC870

المراجع:

* كتاب في سبيل الحق (قصة حياتي) لغاندي بترجمة محمد سامي عاشور

* كتاب روح عظيم (المهاتما غاندي) لعباس محمود العقاد

ملحوظات :

*الموضوع تلخصيصاً ذاتياً وعليه فإن معظم المادة العلمية الواردة فيه واردة نقلاً وإقتباساً ، والمراد منها إجمال الفائدة للتذكرة وليس لأغراض النشر

* مع حفظ كافة حقوق الملكية الفكرية - الخاص بالمادة العلمية أو الصور أو الروابط المرفقة بالنص - لأصحابها


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق