الجمعة، 5 نوفمبر 2010

تحقيق التراث ( كتب ومخطوطات )

--

على مر الزمن قد يواري التاريخ أكثر مما يوثق ، وكثير من الحقائق التاريخية إذا ما أمعنت النظر فيها تجدها تنضح بعكس ما يطرحة التاريخ الذي لم يخل من التزوير لإعتبارات عديدة تخص المؤرخين ، ومن هنا تأتي أهمية التحقيق الذي تطمئن معه القلوب فى نقل التراث والمعارف القديمة ولا سيما بأن التحقيق ذاته فطرة إنسانية ومنه إتقان العلم والعمل وآمانة النقل.

--

ولم يكن يعنيني – فى مرحلة ما من حياتي – في كتاب غير عنوانه وموضوعه ، ضارباً بعرض الحائط إسم المؤلف ومصداقيته أو المترجم وجدارته وحتى حواشيه وفهارسه ، غير أن القدر أهداني ما أحب وآسعى ففُرض علي دراسة كتاب عن القانون المدني وما إن شرعت فى تصفح الكتاب حتى وجدته لا يرقى إلى مصاف ملازم الأرصفة حيث وجدته خالى من أى حواشي أو فهارس وكاد يخلوا من المتن ذاته لولا الملامة التي قد تقع على الدكتور مؤلف الكتاب الذي يعلم الله كيف تعامل مع المادة العلمية المطروحة فى الكتاب ، فهو نموذج للكتاب المبتور.

--

فعلمت حينها معنى أن تقرأ كتاباً حقيقياً بكل ما تشملة قواعد التأليف والنشر ، ودائماً ما كانت تواجهني ألفاظ تُزيلْ غُلاف الكتاب كــ " كتاب محقق " أو " تحقيق وتعليق .." وخصوصاً فى المواد المقارنة والتراثية فشرعت فى البحث عن أصول علم التحقيق التراثي - على قدر رغبتي فى المعرفة - فاهتديت إلى مصدر هام فى هذا المجال وهو كتاب تحقيق النصوص ونشرها للدكتور/ عبد السلام محمد هارون ويعد أول كتاب عربي وضع فى فن التحقيق ومنه إستقيت تلخيصي.

--

تحقيق النصوص *

--

التحقيق إصطلاحاً هو تحري الحقيقة والصدق وفي مجال تحقيق التراث هو بذل عناية خاصة بالمخطوطات حتى يمكن التثبت من إستيفائها لشروط معينة وتمر عملية التحقيق بمراحل عديدة نوجزها فى التالي .. وورد في رسائل الجاحظ عن التحقيق أنه لم يخل زمن من الأزمان الذاهية إلا وكان فيه علماء محققون قرءوا كتب من تقدمهم ودارسوا أهلها

--

تحقيق العنوان :

تحقيق العنوان ليس بالهين وخصوصاً أن بعض المخطوطات تأتي خالية من العنوان إما لفقد الورقة الأولى منها أو إنطماسها أو لتزييفها .. فيعمل المحقق أولاً إعمال فكرة ومطالعة كتب المؤلفات أو كتب التراجم ثم البحث عن إقتباس من نصوص الكتاب مضمنة فى كتاب أخر وأن تكون لديه الخبرة فى دراية إسلوب المؤلف ، وتكون تلك المحاولات بمثابة الخيط الأول للوصول لحقيقة العنوان.

--

تحقيق اسم المؤلف ونسب المخطوط إليه :

عمل المحقق يشبه عمل عالم الأثار فكلاهما يعيدا تجسيد الأزمان والسمة التي تشوب عملهما هي الحذر والدقة والتحقق الشديد من أدنى التفاصيل فى كل خطوة من خطوات البحث ، وعليه فإن مجرد كتابة اسم مؤلف على مخطوطة ما ليس كافي بالقدر الذي يطمئن معه المحقق أن الكتاب ينسب لإسم المؤلف وخصوصاً فى الأعمال الخاملة التي ليست لها شهرة أو روابط ذكر .

وأهم أداة تستخدم فى نسب الكتاب لإسم مؤلفة هي دراسة الإعتبارات التاريخية المواتية لفترة حياة المؤلف والموضوع ، حيث يمكن أن تجد فى الكتاب أخباراً تاريخية تالية لعصر مؤلفه ويكون ذلك جدير بإسقاط اسم المؤلف عن المخطوطة.

--

تحقيق المتنْ :

وتحقيق المتن هو أن يؤدي الكتاب أداءاً صادقاً كما وضعه مؤلفة وذلك ليس معناه نهائياً بإن نحل كلمة محل الأخرى حتى لو كانت كلتاهما صحيح أو أن يخطئ الكتاب في عبارة نحوية فيصححة المحقق – فلا يقع تحقيق المتن تحسيناً أو تصحيحاً إنما هو أمانة الأداء والتأريخ.

وإذا كان المحقق موسوماً بالجرأة في بحثه فأجدر به أن يتنحى عنه لغيرة ممن يتسم بالإشفاق والحذر فلابد أن يتسم المحقق بصفتين هما الأمانة والصبر ، وقد يقال كيف لنا أن نترك الخطأ يشيع ..؟! والجواب هم إن فطن المحقق لخطأ ما فى الكتاب فلينبه عليه فى الحاشية ( الهامش ) وبذلك يحقق الأمانة ويؤدي واجب العلم فى آن.

وتلك القاعدة تستثنى منها الشواهد القرآنية فلابد أن توضع فى نصابها وقد كشف الدكتور عبد السلام محمد هارون فى تحقيقه كتاب الحيوان للجاحظ تحريفات كثيرة لم يستطع معها الإ أن يردها لأصلها ، وكذلك فى كتاب الجواري للجاحظ وفي مخطوطات تهذيب اللغة للأزهري ومخطوطات كتاب سيبويه – واختبار النصوص القرآنية لا يكفي فيه الرجوع إلى المصحف المتداول بل لابد من الرجوع إلى كتب القراءات والتفاسير.

--

مقدمات تحقيق المتن :

- أولاً : التمرس بقراءة النسخة حيث أن القراءة الخاطئة لا تُنتج إلا خطأ وخصوصاً فى المخطوطات التي ينقصها النقط والإعجام وتلك التي كتبت بالخطوط المغربية أو الأندلسية ، ويجب على المحقق مدارسة الإختصارات جيداً ومصادرها مثل ( ثنا ) وهي إختصار حدثنا وإختلاف الإختصار ذاته في مختلف البقاع

- ثانيأ : التمرس بإسلوب المؤلف وأدنى صورة منه هي أن يقرأ المحقق المخطوطة مرة تلو الأخرى ، وأقصى صور التمرس هي أن يتحصل المحقق على أكبر قدر ممكن من كتب المؤلف ويقرأها كلها ويتدارس أسلوبه وتطوره.

- ثالثاً : الإلمام بموضوع الكتاب وذلك حتى يفهم المحقق النص فهماً سليماً بشكل مترابط ويتم ذلك بدراسة الكتب التي تعالج ذات الموضوع

--

ويجب على المحقق دراسة مفاهيم أساسية وآليات لا يكتمل التحقيق بدونها مثل التصحيف والتحريف وأساليبه ورده للأصل ، وكذلك المؤتلف والمختلف وهي الكتب الموضوعه لمقاومة آفة التحريف والتزييف

معالجة النصوص :

وفى إطار معالجة النصوص يعتمد المحقق على ترجيح الروايات وذلك من أجل تحري الزيادات والنواقص فى مختلف النسخ للمخطوطة ، وتصحيح الأخطاء بما تقتضيه أمانة النقل والتنبيه عليها فى الحواشي ، وكذلك الضبط بأن ينقل المتن بضبط النص الأصلي دون تغيير أو سهو ، والتعليق بما تحويه المخطوطات التراثية من معارف قديمة تحتاج الى توضيح ليخفف بها غموض الأعلام والبلدان والمعارف دون إهمال أو إسهاب.

--

والخلاصة أن علم تحقيق النصوص يحتاج إلى مصابرة ويقظة علمية وسخاء في الجهد الذي لا يضن على الكلمة الواحدة أو ضبطها يوماً كاملاً أو أياماً معدودات ، وعليه فيستحق المحقق زاخر الشكر والعرفان على ما يقدمة للبشرية من إحياء وتجسيد زمن بائد.

* المرجــع : كتاب تحقيق النصوص ونشرها للدكتور عبد السلام محمد هارون – أول كتاب عربي وضع فى فن التحقيق ويمكن تحميله من هذا الرابط http://www.4shared.com/get/hpUVAW4d/_____.html

* ملحوظة : التلخيص لا يعد بحثاً وعليه فإن معظم المادة العلمية الواردة فيه واردة نقلاً وليس إقتباساً ، والمراد منه إجمال الفائدة للتذكرة وليس لأغراض النشر - وفوق كل ذي علم عليم

* مع حفظ كافة حقوق الملكية الفكرية - الخاص بالمادة العلمية أو الصور المرفقة بالنص - لأصحابها



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق