الاثنين، 16 أبريل 2018

الفتاة الأفغانية


الفتاة الأفغانية
(السحرُ كما ينبغي أن يكون)




-        شربات جولا ؛ فتاة أفغانية مات عنها والداها في قصف سوفييتي في ثمانينيات القرن العشرين ، ارتحلت بصحبة من تبقى من أقاربها في صقيع الشتاء إلى مخيم بباكستان الملاصقة لبلدها ، ملاصقة في الحدود ، مطابقة في البؤس ، في عام 1984 كانت تبلغ حينها اثنتي عشر عاماً.
 
-   التقُطَت لها صورة على يد مصور شبكة ناشيونال جيوغرافيك ستيف ماكوري ، ووضعت صورتها على غلاف المجلة الشهيرة ، صورة ساحرة ، عيناها خضراوان متحديتان عميقتان ، شعر منسدل تحت وشاح أحمر قاني محروقة أطرافه ، وجه شاحب به بعض الندوب.

-     يقوم المصور الصحفي بعد سبعة عشر عاماً بالبحث عنها مدعوماً بشكل رسمي من المجلة ، فالفتاة الأفغانية على مدار هذه السنين قد اشتهرت وذاع صيتها بقدر الغموض الذي يحيط بها وبمصيرها ، في الفيلم الوثائقي الذي يرصد عملية البحث هذه ، يرجع المصور إلى ذات المخيم ويلتقط صورة أخرى لفتاة أخرى تبلغ بالكاد عشرة أعوام ، وجهها يملؤه ذات السحر والعمق والغموض ، ثم يصل المصور أخيراً إلى ضالته ويقابل عائلة الفتاة الأفغانية ، ويعرف مآلها ، ويخبرها بأنها لطالما كانت مشهورة وتغزوا صورتها العالم ، سترى في وجهها رغم التقدم في السن ذات السحر والعُمق والتحدي مغلل بالقيود.

-       أخبرته هي أنها وعائلتها لم يشاهدوا الصورة مطلقاً ، وأنها حتى صورتها الوحيدة ، لم تتصور قبلها أو بعدها ، وأنها تتمنى أن يتعلم أبناءها ، وتتمنى في نهاية الفيلم من الشعب الأمريكي (حسب الراوية) مساعدة بلدها أفغانستان جراء ما شهدته من تخريب.





-       انتهى الفيلم الوثائقي بأن صورة الفتاة الأفغانية ظلت تمثل معاناة الشعب الأفغاني ، وإذا بحثت في اليوتيوب ستجد لها فيديو آخر من البي بي سي تقول فيه أن الحكومة الباكستانية قد اعتقلتها لدخولها البلاد بأوراق مزورة ثم مات عنها زوجها وإبنتها الكبرى بسبب المرض وأنها تتمنى تأسيس منظمة للعلاج المجاني.


-       هذه قصتها على الإجمال ، أما أنا فقد ألمت بي بعض خواطر بشأن هذه الفتاة ، منها مثلاً أنه عندما استخدمت كلمة سحر لوصفها ، كنت ولازلت أشعر حقاً بكل معنى للكلمة ، سحر يأسرك حين تواجه عيناها فلا تجد منهما خلاصاً وكأنها أفعى تبث الخوف في عيني فأر حتى تفتك به.

-       شبهتها لحيني بالأفعى ، وأشعر بالذنب ، أفكر بماذا كانت تفكر هذه الفتاة وهي تنظر في قلب الكاميرا ..؟
كيف حصلت على هذه الندبات ..؟
كيف احترق وشاحها داخل المخيم ..؟
كيف بكت والداها وهي ترتحل لاجئة إلى باكستان ، أمن الجحيم يرتحل الناس إلى جحيم ..؟
هل واجهت زوجها بذات العينين وهي في الثالثة عشر من عمرها أم خذلتاها ..؟
بماذا شعرت حينما علمت بعد سبعة عشر عاماً أنها مشهورة ويتم البحث عنها ..؟
هل قالتها فعلاً .. أنها تتمنى على الشعب الأمريكي مساعدة بلادها ..؟ وما مصير الفتاة الأخرى التي التقُطَت لها صورة في ذات المخيم ..؟
في عيني فتاة تعلمت أن نصف العالم يتغذى على النصف الآخر.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق