الجمعة، 30 مارس 2018

موسم صيد الغزلان

قراءة في رواية

(موسم صيد الغزلان)


لـ أحمد مراد






 - هذه المرة رحلة إلى المستقبل يستغل فيها مراد ريادة التكنولوجيا ويعزز الواقع المستقبلي من خلالها ، أدوات نسمع بها الآن ويتابع تطورها المهتمين بالتكنولوجيا ونراها في أفلام الساينس فيكشن وخصوصاً فيلم (Minority Report) ، (عدسات معززة للواقع بالمعلومات AR Augmented Reality ، ظاهرة الخرس التخاطري Muteness Telepathy التي نعايشه حالياً بشكل ما ، الاستنساخ ، الروبوتس ، الهولوجرام ، الـ Nanometric Drones طائرات دون طيار ...) ويسوق على خلفية هذه الأدوات المستقبل الفكري لمترسخات الفسلفات والمعتقدات الحالية فهي رواية فكرية على كل حال وليست تكنولوجية.

 - نفُك بقى شوية ونخلّي البُساط (أحمدي مراد) ونكتِب بالعامية :- اللغة كانت مزيج ما بين الفصحى والعامية ، الفصحى للراوي والعامية للحوار ، وعامية مراد عموماً متوظفة كويس باستثناء كام كلمة كدة مصمم عليها زي كلمة (كلوت) اللي تاني مرة يستخدمها بعد 1919 وبصراحة بحس أنها كلمة (كلوت) قوي.

 - بنشوف (نديم) عالِم البيولوجيا ودكتور علم النفس التطوري في أول الرواية بيُلقي محاضرة بيستعرض من خلالها ملامح المستقبل القريب ، زلزال البحر المتوسط اللي هايغرَّق الاسكندرية والدلتا ، جفاف النهر ، التخليق المعملي ، الهندسة الوراثية اللي هايستبدل بيها الإنسان 95? من أعضاءه ، ويختار وينقي جينات مولوده وصفاته ، ومع كل العلوم الدنيوية دي (علوم الشهادة) هاتتراجع وتخفت علوم الآخرة (علم الغيب) فهل ستكون الأديان وقتها مجرد تفسيراً بدائياً للي كان يجهله الإنسان عن إمكاناته وقدراته ؟!...

- (نديم) بطل الرواية ، واضح من البداية إنه مُنكِر لوجود الإله بكل توابعة وبيمجد الإنسان وبيرصد تطوره وبيتنبأ بمصيره على ضوء المعطيات اللي بيعيشها ، وبيعزز الرؤية دي عن طريق سرد الأدلة المعروفة في نظرية التطور (أصل الأشياء والنشوء والارتقاء) لتشارلز داروين ، وبغيرها من التساؤلات الوجودية والقضاء والقدر وعدالة الحساب ، علة خلق الملائكة واستخدامهم ، تسخير هذا الكون غير المتناهي لنوع واحد من ضمن أنوع كثير ، إختبار التكليف والمفهوم الديني بقبولنا لـ (الأمانة) في عالم الذر ، (وكل الأسئلة دي عموماً مش جديدة ومطروحة جداً على الساحة) ، بعد كدة بنعرف إن نديم فَقَدْ بنته الوحيدة (سُلاف) اللي نقى جيناتها ع الفرازة علشان تكبر مميزة في وسط كل التحديات دي ، وكانت مشتركة في أولمبياد برلين للروبوتس ، وكان مشروعها روبوت بيعوم ، وبالمناسبة دي الموضوع ده لسة شغالين عليه ونازل من اسبوع على TED Talks Arabic ، المُهم.. بيفقدها في تفجير نووي إرهابي هايطيح بملايين البشر في ثانية ، برغم كل التقدم اللي وصلوت له البشرية ، يظَل الموت مُعجِز ليهم ، زي حقيقة بتطلَّع لهم لسانها في تهكُم واستهتار ، ودي اللحظة اللي أفقدت نديم إيمانه بكل شيء.
-  نديم اللي بيمر بحالة ملل شديدة من زوجته مريم (الغزال القديم الشاحب) بيظهر له شخصيتين هايكمل معاهم الرواية ؛ (تاليا) غزالة حمراء الشعر وعندها تاتو ماندالا في سمانتها وكعبها محني وذوقها غجري ، و(طارق) زوجها مزاجه صوفي ، وبيعرض على نديم إنه يخوض تجربة روحية في (الملاذ) فيلا قديمة بحي الزمالك المُطل على النهر الجاف بالعاصمة القديمة ، ليتخلص من كل تعقديات التكنولوجيا والأفكار ليقابل أغرب شيء في الدنيا (نفسه)...

 - هايعيش في التجربة دي 3 تجسيدات لحيواة سابقة عاشها نديم (على طريقة تناسخ الأرواح في الديانات الهندوسية) ، هايخاف نديم لإن ده هايثبت بالضرور وجود روح اللي بيؤكد العلم كل ما بيتطور على عدم وجودها ، ولما يمر بالتجربة رقم 4 (للحياة السابقة مباشرة) ، هايكشف له (طارق) إللي هايطلع عمره وقتا فوق الـ 100 إنه كان بيحاول ينتقم منه علشان خطف منه حبيبته في الحياة السابقة ، وإنه اكتشف أدوات تمكنه من مراقبة روحه لما تحل في جسد جديد وإنه (نديم) ماتعلمش من أخطاءه في الحيواة السابقة ورجع يكرر نفس الأخطاء دي (صيد الغزلان) وإن (تاليا) الغزالة المحنية في حياة نديم ما هي إلا (روبوت) ، وبنشوف نديم في النهاية بيغير عقيدته تماماً لضرورة وجود إله (أياً كانت مسمياته) أنشأ كمحرك أول وبيحافظ على الكون ده ، وإن الإنسان الملحد هو أكتر حد شغوف بمعرفة الإله ، وإن الشك هو وقود الإيمان وإن الإنسان لازم يكون مرن في أفكاره وتصوراته.

#  بعض الخواطر  :

(لما يمكن أن يتصوره البعض من أنها رواية تدعوا للإلحاد ولإنكار وجود الإله والأديان) :
- حتى وإن صح ذلك فأنا لا أجزع أبداً من قراءة افكار تخالف تماماً كل ما ترسخ لدي من أفكار لأنه ببساطة ليس هناك مترسخ ، التغيير والإحلال والإبدال هو السائد ، ولذلك ليس معنى قراءة رواية ما تنكر وجود الإله أو الأديان أنني آمنت بما تقول فكلها افكار تثير (السؤال والبحث) وهما أكسير الحياة ، فالإنسان الذي لا يطرح التساؤلات ويبحث عن الإجابات إنسان ميت ، وأفضل الأسئلة هي التي تسترعي انتباهك وتستفز قدرتك على التفكير وتقليب الرواسب ، وأنا لا أعتبر هذه الرواية (دعوة تبشيرية بإلحاد أو بغيره) لمجرد أنها تناولت أفكاراً إلحادية ، فهي أفكاراً ذاتيه على كل حال تخص أشخاصها ، والعبرة ليست في الداعي بل الاعتبار كله للمدعو ، عليه ألا يتخشب وأن يفكر ويبحث ، فضلاً عن أن أفضل طريقة لاختبار معتقداتك (بشكل عام) هي مناوشتها بالمضاد والمخالف فهو أوسع للمدى وأجلى للإدراك وأسلم للفكر "فياطاعتي لو كنتِ كنتُ مقرباً ومعصيتي لولاكِ ماكنتُ مجتبى ، وما العلم إلا في الخلافِ وسرِّه وما النورُ إلاَّ في مخالفةِ النهى" (للشيخ الأكبر مُحي الدين بن عربي)

- معظم الآراء اللي أثيرت في الرواية على شكل حوار بين الشخصيات هي في حقيقتها تساؤلات معقولة جداً ومعظمها قديم غير مستحدث مثل إن آدم ليس هو أول البشر إنما يمكن أن يكون أول المكلفين ، وأن قصة الخلق في القرآن (إني جاعل في الأرض خليفة) يُمكن أن يكون لها تأويلات مجازية ، فلم أتفاجأ وقد مرت عليَّ من قبل ، وأثناء بحثي وجدت آراء مشابهة عدنان ابراهيم ومصطفى محمود، وشاههدت أفلام وثائقية كتيرة عن إحلال الهوموسابيان مكان النيندرتال.

- وبالنسبة للنظرة الإيروتيكية والنزعة الحسية في التعامل مع الأنثى ، وروح القنص لدى الرجال (الذئاب) فدا واقع زي العسل بنعيشه ومانقدرش ننكره وبيبقى على هوايا في أغلب الأحيان ، كل ما هناك إن فيه حدود وقيود بيضعها الانسان حوالين سلوكه إما بوازع ديني أو اجتماعي أو قانوني ، والانضباط كويس ومطلوب بس مش معناه أبداً إنه نزع النزوات دي من قلوبنا، هو حجّمها فقط ، وهنا تأتي أهمية الروايات اللي من النوع ده لإنها بتمثل لي متعة افتراضية لتفريغ هذه النزوات.

- من الحاجات اللي شايفها سلبية في الرواية ، إحساسي بإنه تم اثبات (وجود الروح) وهو الشيء المختلف فيه إللى مانقدرش نثبته علمياً ، عن طريق (التناسخ) المختلف فيه واللي مانقدرش نثبته علمياً برضوا ، علاوة على إن الأجهزة اللي اكتشفها طارق علشان يصطاد روح نديم المتناسخة ، كانت هامشية جداً ، زي حادثة موت (سُلاف) بنت نديم كدة ، فتحس إن التقدم التكنولوجي ده ماشي في طريق وإن المسائل الروحية دي ماشية في طريق مفارق تماماً ، زي معظم محاور الرواية كدة ... (تساؤلات علمية ممكن تهز صورة الإله ، تقدم تكنولوجي ، صيد غزلان ، تناسخ أرواح ، انتقام ، إيمان بوجود محرك أول ، شك يؤدي إلى يقين) ، الشك والتساؤل صحي وحلو مافيش كلام ، بس حسيت الحبكة مش ملمومة وخصوصاً في النهاية ، على عكس الفيل الأزرق.

- برغم إن معظم شخصيات مراد شبه بعضها إلا إني بتعجبني فيهم ريحة التمرد ، بيتكلموا مع نفسهم كتير ، مش متحفظين طبعاً ، وبيمارسوا شغلهم في حياتهم الاجتماعية (مش موظفين يعني) ، مندوب المبيعات اللي بيبيع أي حاجة لأي حد ، الطبيب النفسي اللي بيقرا لغة جسد كلب معدي بالصدفة ، وفي الرواية دي نديم بيمارس البيولوجيا وعلم النفس التطوري علشان يصطاد الغزلان بعد مايفكك شفراتهم الجينية ، وإن كانت شخصية نديم ضعيفة لإني مش قادر أعرف المميزات اللي بتخليه بطل الرواية ! هل هي البيولوجيا وعلم النفس التطوري ؟! ولا علشان صياد غزلان ؟! ولا النزوع الإلحادي ؟! ما هو مش معقول بطل في نفسه كدة علشان بيفكر ؟! طيب ما هو فيه ملايين مؤمنين وكفاءه يعني وصيادين برضوا ؟!

- في مشهد زيارة تاليا وطارق لنديم ومريم في بيتهم ص 224 لاحظ نديم ان تاليا كانت تقف في رداء (أخضر) وشعر تضفَّر في جدائل رفيعة... ولما مشيوا وقعدت مريم تراجع تفاصيل الزيارة في عدستها الإلكترونية كعادتها ص 254 توقفنا عند صدر فستان تاليا (الأزرق) المفتوح الذي طلّت منه ثمرتان الجنون... فأنا عايز أعرف هو كان أخضر ولا أزرق.

- واختم بإنه في روايات (مراد) عموماً بيبان إنه بيقرأ عن اللي بيكتب عنه وبيستخدم قراءاته دي في تضفير الرواية ، وده سلاح ذو حدين ؛ ممكن يتحس في أوقات نوع من الاستهلاك والترصيص ، وممكن يتوظف كويس ويخدم الحبكة فيكوِّن معلومة يتبحث عنها ويتبني عليها وأنا ميال للحد الأخير ده ، وهاذكر شوية حاجات جديدة كدة صادفتها في الرواية ورحت بحثت عنها ...

* موسيقى السيتار النهدية.
* حجر الأماتيست من الأحجار الكريمة.
* الحية البيضاء
* الإضطراب ثنائي القطب

- أخر حاجة بقى ، الغلاف تحفة.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق