قراءة في المجموعة القصصية
(لإلهاء قطة)
·
هي مجموعة
قصصية متصلة منفصلة، تكمل بعض قصصها البعض وتتشارك في ذات الأبطال أو أحدهم،
وتستقل بعض القصص بأبطالها وأحداثها، تتناول خلالها الكاتبة موضوعات مهمة ومعاصرة
كالبحث عن الجدوى وشحذ القوى لمواجهة تحديات الحياة، وكذلك مشاهد للانكسار أمام
بعضها، والتعامل مع إشكاليات الموت، والمسؤولية الاقتصادية والمجتمعية، وأزمات إدمان
المخدرات، والتفكك الأسري، وأزمات الصحة النفسية، وهي مجموعة مترابطة بالقدر التي
يستوجب على القارئ الوصول لآخر سطر في آخر قصة حتى تتبين له جماليات القصص
وتكاملها.
·
وتتنوع
لغة المجموعة بين العامية والفصحى، تتخللها حوارات فعالة وجيدة بين شخصيات القصص، وكذلك
إحالات ثقافية لبعض الشعراء، وتوظيفهم في أحداث القصص، ويسيطر عليها في كثير من
المواضع التأثير الشعري، تمثل في الرمزية والتكثيف، وعلى قدر ما أضاف ذلك للغة
المجموعة من جماليات، إلا أنه أصابها ببعض العيوب كأن تنتهي بعض الأحداث فجأة، أو
أن تذكر بيانات كاملة لرحلة إلى جبل سانت كاترين وقت خسوف القمر دون أن تستعرض أي
تفاصيل عن هذه الرحلة أو أحداثها.
·
خشيتُ في
مستهل المجموعة أن تكون أحد تلك الكتابات النسوية، التي يسيطر عليها جو التحرر
ودعاوى (الفيمينست) المنفصلة عن واقع أغلب الناس، وخاصة وأن القارئ يلحظ أن المرأة
هي الراوي الأساسي في المجموعة، وفي معظم القصص هي كائن وحيد يواجه تحديات الحياة
بمفرده دون مساند أو معين، ويخذلها باستمرار العنصر الذكوري أو يظهر بالمظهر
الثانوي في حياتها، إلا أنه وبالتوغل في القصص تبين لي أن القضايا التي تتناولها
المجموعة قضايا إنسانية يتشارك فيها الرجل والمرأة على حد سواء، فهي هموم إنسانية
تولدت من رحم العصر، ويعتبر تناولها في المجموعة بمثابة نقداً لعصر الحداثة، وتلجأ
كثيراً بطلة القصص للحنين إلى حضن الجدة بما تمثله لها من ذكريات الطفولة والقرية
والطبيعة، لتصطدم أحياناً بأن هناك الكثير من العادات والأفكار السلبية في القرية لا
تتفق مع أفكارها الناضجة، وطبيعة المسئوليات التي ألقتها الظروف على كاهلها، الأمر
الذي تصبح معه كالمعلقة بين عالمين لا تنتمي إلى أحدهما حقاً، وربما تحسد القطة
التي تلهيها كرة من الخيط بعيداً عن أي تحديات، كما أن الكاتبة أظهرت تنوعاً في
العنصر الذكوري للقصص، بين الأب والأخ والزوج والابن، وتكلمت بلسانهم وعسكت
تأثيرهم على بطلة القصص، بل وجعلت شخصية الأخ مدمن المخدرات مثلاً، ثابتة في قصتين
متصلتين وهما (العنكبوت والقرموط) ثم تنقلت الكاتبة كراوية للقصتين بين الأخت في
قصة، والزوجة في قصة أخرى لترصد اختلاف تأثير الرجل على كل منهن، في مشهدية رائعة
ككاميرا متنقلة تعرض رؤية أشخاص مختلفة حول ذات الحدث.
·
لا يلبث
القارئ إلا وأن يدرك أن عناوين القصص كلها هي أسماء حيوانات وحشرات، ومن الجيد أن
دلالة هذه العناوين غير مباشرة، وتستدعي من القارئ التفاعل مع القصة وأحداثها
وإدراك الرابط بينها وبين العنوان، ليجد أن هذه الدلالة لا تحمل المعنى أو الصفات
الشائعة لكل حيوان وخاصة وأنه لم تستخدم الحيوانات داخل أحداث القصص باستثناء
القطة في قصة (القنفذ)، فالإنسان القديم عندما تعامل مع هذه الحيوانات استلهم منها
القوة أو الصفة الظاهرة في كل حيوان، وكان ذلك هو الرمز الذي مثله له هذا الحيوان،
أما الكاتبة فقد فعلت العكس، فقد أسقطت شعور بطلة القصة أحياناً، وأحياناً أخرى لصفات
بعض أشخاصها الثانوية، على هذه الحيوانات، ويتجلى ذلك باستعراض بسيط لمضمون ودلالة
هذه القصص..
·
ففي قصة
(الثور) مثلاً، تظهر المفارقة بين الهموم الداخلية الجاثمة على قلب البطلة، وضرورة
التزام الهدوء والرحابة المفترضة في التعامل مع الأخرين، فعندما تحيط ببطلة القصة
مواقف حياتية ضاغطة، فالزوج في مصحة، وتتكالب عليها مسئولية الابنة والمدرسة
والعمل والشارع، فتحتاج إلى قوة ثورٍ ضارٍ لمواجهة كل ذلك، وفي قصة (الفراشة)
نتخيل ضعف أجنحة فراشة تواجه تحديات المدينة، لتتمنى العودة إلى الشرنقة، وفي قصة
(الفأر) ربطت الفأر بالموت، فهو القارض الذي يقرض الأيام خلسة، لتتفاجأ بالموت شاخصاً
أمامها لطفل في عمر الثانية عشرة، وفي قصة (الحية) تتعامل البطلة مع الشائع عن
الزوجة الثانية كحية، فتتكشف لها زوايا أخرى للحكاية لتنفي عنها هذه الصفة
الشائعة، وفي قصة (النحلة) يلقى على كاهل البطلة عبء جديد تحن معه إلى العودة
للقرية، المرتبط معها بالطفولة والطبيعة وحضن الجدة وحنوها، لتصطدم باختلاف
الأفكار والعادات، كأنها نحلة كتب عليها أن تنتج العسل لكنها لا تتذوقه.
·
وفي مشهد رائع
من قصة (الحرباء) تنقد الكاتبة مشاكل الحداثة والبحث عن الجدوى والأزمات
الاقتصادية داخل الأسرة، فتقول على لسان بطلة القصة ..
"أرقب القلوب وعلامات الإعجاب على ما أكتب
كما راقبت جدتي القمح الذي زرعته وهو ينمو
هذه بضاعتي ولكنها لا تصلح للاستهلاك
فالكلمات يصعب مضغها وبلعها وهضمها
لهذا نتقيأها جميعاً هنا في هذا المكب الكبير
أعصابي لا تتحمل سيل الحزن الذي يجرف أحلامي
أشعر بالمرض..، أقول لزوجي..
أنا أحتاج العودة لاستشارة طبيب نفسي
يبتسم ويقول.. عزيزتي..
نحن لا نحتاج إلى توفير وجبة ما لأسرة طبيب مصري
بل نحتاج مشكلة أو فضيحة يقع فيها الطبيب حتى يلجأ إلينا
فأدافع أنا عنه لقاء وجبة غداء تليق بأسرة محام مصري
وأنتِ تستغلين الفضيحة في مانشيت جديد يؤمن لتلك الأسرة ثمن وجبة
العشاء"